رئيس التحرير
عصام كامل

مولانا الجاهل بالله «عبده سوكة»

فيتو

يبدأ الأمر دائمًا في زاوية مهجورة، أقامها أحد عباد الله الطامعين في قصر من قصور الجنة، والطامعين أيضًا في أن تصل المرافق من مياه وكهرباء وصرف صحي لهذه الناحية النائية، فترتفع أسعار الأراضي بها، ويحقق الربح الوفير في الدنيا والآخرة، هكذا يحاول البعض أن يمكر مع الله.


ولكن أيًّا كانت هذه الأفعال الظاهرة أو تلك النوايا الباطنة التي لا يعلمها إلا علام الغيوب، فإن هذه الزاوية النائية التي أقيمت ليذكر فيها اسم الله وتقام فيها الصلوات لن يطأ محرابها أو منبرها شيخ عالم لأنها لم ولن تضم إلى وزارة الأوقاف قبل مرور سنين عديدة، لذلك فإن الرجل ذو اللحية الطويلة عم (عبده سوكة) الذي يعمل مبيض محارة، والذي دائمًا ما يتواجد في مواعيد الصلاة بانتظام، سيجد جميع المصلين يقدمونه ليؤمهم في الصلاة، وسوف يتطوع عم (شوقي ولعة) القهوجي برفع الأذان للصلاة بصوته الأجش الذي أرهقته أنفاس المعسل بالصلصة.

وسيبدأ عم (عبده سوكة) يشعر بذاته الجديدة وهو يرتل القرآن بصوته الهزلي المنحرف، الذي ربما نفرت منه الملائكة، وسيزداد الأمر تطورًا حينما يسأله بعض المصلين عقب كل صلاة عن بعض المسائل الفقهية والشرعية، وسوف لا يجد مولانا حرجًا في أن يفتي بما لا يعلم، فكيف وهو الذي يؤمهم في الصلاة ويخطبهم الجُمع يعجز عن الإجابة على سؤال هذا أو ذاك، الأمر يسير للغاية وعليه أن يثبت لرعاياه من رواد الزاوية أنه جدير بقيادتهم.

سيبدأ مولانا (عبده سوكة) يدعم موقفه ومكانته الجديدة باستدعاء صبيانه من أصحاب اللحى الطويلة ليرافقوه في زاويته، وسيصطحب معه في كل صلاة أو درس أو خطبة مولانا (سيد موزيكو) مبلط قيشاني، ومولانا (حمدي مدماك) بناء، وصاحب الرذيلة مولانا (حلمي ننح) مقاول أنفار، هؤلاء المشايخ العظام هم أصحاب الرأي والشورى في الأمور الفقهية العويصة وهم خاصته ومريدوه، الذين ستنفتح لهم قلوب العامة والبسطاء من المصلين، لأنهم ببساطة سيعتبرون طاعتهم من طاعة الله، وسيرون في التقرب إليهم عبادة، لأنهم يقربونهم إلى الله زلفى.

سيحاول هؤلاء وعلى رأسهم مولانا الجاهل بالله (عبده سوكة) أن يرسموا البسمة على وجوه أتباعهم البسطاء المحرومين من معظم الخدمات والمرافق، ليؤكدوا لهم أن الإسلام هو الحل، وأنهم هم من يعبرون عن صحيح الإسلام، فيبدأ مولانا (عبده سوكة) بجمع التبرعات من كل اتجاه لعمل دار لتحفيظ القرآن، وعيادة ملحقة بالزاوية، ويبعث مريديه أول كل شهر لفقراء الناحية بكراتين المواد التموينية، وأظرف للأرامل بها بضعة جنيهات.

هؤلاء الفقراء سيفرحون بانتشار الإسلام بكراتينه وأظرفه في ناحيتهم النائية، لن يلتفتوا كثيرًا لمظاهر الثراء الفاحش التي بدأت تظهر على المشايخ الأجلاء، ولن يقفوا كثيرًا عند التحول الطبقي الذي حولهم من إجراء إلى أصحاب أعمال ومشاريع، لن يصدموا بمنظر سياراتهم الفارهة ولا صور بعضهم التي بدأت تزحف إلى وسائل الإعلام، بل ستتزايد مكانة مولانا الجاهل بالله عبده سوكة في قلوبهم مع كل درس من دروسه التي أصبح يتوافد عليها الكثيرون من عشاقه، وللحديث عن مولانا بقية.
الجريدة الرسمية