رئيس التحرير
عصام كامل

الشيعة فى زمن الاضطهاد.. فروا إلى الصعيد فى عصور الأيوبيين والمماليك والعثمانيين ..وأظهروا التصوف هرباً من بطش الحكام .. وتمسكوا بعاداتهم ونشروها فى المجتمع المصرى

ضريح الحسين-صورة
ضريح الحسين-صورة أرشيفية

تعتبر حياة الشيعة فى مصر سلسلة من الحلقات المتصلة، كانت منها حياتهم فى فترة الحكم الأيوبى، فعلى الرغم من أن البعض يعتقد أنه بوصول صلاح الدين الأيوبى لحكم مصر قد اختفى التشيع قرونا إلا أنه فى الواقع قد عاد من جديد إلى مصر لأن أبناء الخليفة العاضد وبقايا العائلة الفاطمية قد تم التحفظ عليهم من قبل الأيوبيين، وفى ذلك يروى المقريزى قائلا "فلم يزالوا فى الاعتقال بدار الأفضل من حارة برجوان إلى أن انتقل الملك الكامل محمد بن العادل بن أبى بكر بن أيوب من دار الوزارة بالقاهرة إلى قلعة الجبل فنقل معه ولد العاضد وإخوته وأولاد عمه واعتقلهم بالقلعة وبها مات العاضد واستمر البقية حتى انقرضت الدولة الأيوبية".

ومع حكم الأيوبيين لمصر استمرت حملات التضييق على الشيعة على جميع المستويات حيث وجدوا أنفسهم أمام خيارات ثلاثة أولها اللجوء للتقية وادعاء أنهم ينتسبون للسنة والخيار الثانى هو الاندماج فى الطرق الصوفية أما الثالث فكان الفرار إلى جنوب مصر والشام واليمن والهند وغيرها ولكن بمرور الزمن تحول ادعاء الانتساب للسنة إلى حقيقة على يد الأبناء والأحفاد الذين عاشوا فى ظل واقع تظلله رايات المذاهب الأربعة وكأنه لا يوجد فى الإسلام سواها خاصة مع الافتقاد التام لكل الأدوات الفكرية كما انطبق هذا الحال على قطاعات الشيعة التى اندمجت فى الطرق الصوفية وحتى التى فرت إلى الجنوب. 
استمرت الأوضاع على نفس المنوال حتى أنه فى عام 666هـ قام الظاهر بيبرس بضم أملاكهم إلى بيت المال المولوى السلطانى الملكى الظاهرى بحيث لا يكون لواحد منهم شيء خلافا فى ذلك من مسجد لله تبارك وتعالى أو مدفن لآبائهم.

ولكن أظهرت الأيام أن الأيوبيين والمماليك من بعدهم لم يتمكنوا من القضاء على التشيع فى مصر عن طريق دعم المذاهب الأربعة فاضطروا إلى احتضان الصوفية ودعمها هى الأخرى لكونها تملك القدرة على احتواء التشيع وتصفيته على أساس أن حركة التصوف ترفع شعار آل البيت الذى ترفعه الشيعة ومن ثم فتحت الحكومات الطريق أمام الصوفية لتحتوى الجماهير وتستقطبها حتى سادت الواقع المصرى وأصبحت التيار الإسلامى الأول على حساب آل البيت وبدونهم ما كان لها وجود ولا ذكر فعلى الرغم من أن صوفية مصر يرفعون شعار الخلفاء الأربعة الذى تقوم على أساسه عقيدة أهل السنة إلا أن ذلك لم يمنع ظهور اتجاهات صوفية لديها قدر من الوعى يؤهلها لفهم حقيقة المؤامرة التى حيكت ضد آل البيت ويخرجها من دائرة التصوف إلى دائرة التشيع.

ولكن وبشكل عام يمكن القول إنه وعلى الرغم من حملات الحصار الفكرى التى شنها الأيوبيون على المصريين لمحو معالم التشيع من نفوسهم وتعمدهم القضاء على العادات والتقاليد الشيعية خاصة فى المواسم والأعياد إلا أن الكثير من العادات والتقاليد الشيعية بقيت وتوارثها المصريون جيلا بعد جيل حتى زماننا هذا بل أصبحت هذه العادات والتقاليد جزءا من الشخصية المصرية.
ويدل على ذلك العديد من المظاهر ومنها الاحتفال بذكرى عاشوراء وإن كان صلاح الدين قد حولها من ذكرى حزينة إلى ذكرى سعيدة واستمر المصريون يحتفلون بها على طريقته كذلك هناك ذكرى الاحتفال بليلة النصف من شعبان وهى عادة شيعية لا تزال باقية تحتفل بها الطرق الصوفية اليوم بالإضافة إلى الاحتفال برأس السنة الهجرية وعادة اقتناء الفوانيس فى رمضان ولعب الصبيان بها فى الطرقات من العادات الشيعة التى ما زالت تمارس فى رمضان وقد انتقلت من مصر إلى بلاد أخرى.

وعلى جانب آخر وبسبب أن الأشراف من أبناء الإمام على كانوا متواجدين فى مصر من قبل ظهور الدولة الفاطمية ولهم أنشطتهم المشروعة والمعترف بها من قبل حكومات الولاة المتعاقبة على مصر فقد نشأت نقابة للأشراف يتولى رئاستها أحد شيوخ هذه الطائفة ويكون له حق التصرف فى أمورهم وحمايتهم من الأدعياء وعيادة مرضاهم والسير فى جنائزهم وقضاء حوائجهم واستمرت النقابة حتى عصرنا الحاضر والحق أن الأشراف فى الأصل هم من شيعة أهل البيت الذين وفدوا إلى مصر وانصهروا فى المجتمع المصرى السنى بفعل ضغوط سياسية واجتماعية إلا أنه ما زال هناك القليل منهم ما زال متمسكا بعقيدته الشيعية حتى الآن.
كما ينتشر الأشراف اليوم فى صعيد مصر حتى أن هناك بلدة فى الجنوب تتبع محافظة قنا تسمى "الإشراف" ومعظم أهلها ينتسبون إلى أهل البيت مما يشير إلى الهجرات الشيعية لجنوب مصر كما أن هناك عدد من المدن فى مصر برز التشيع فيها وارتبط بها دون غيرها من مدن مصر ولعل السبب فى ذلك يعود إلى هجرات الطالبيين أو العلويين إليها أو بسبب وجود عدد من دعاة التشيع الذين استقروا بها وبخاصة فى الجنوب والذى كان ملجأ للشيعة الفارين من وجه الأمويين والعباسيين والأيوبيين والمماليك فيما بعد حيث كانت المدن الشيعية بالصعيد هى التى فجرت الثورات ضد صلاح الدين كما فجرت ثورات أخرى ضد المماليك والعثمانيين.

كما شهدت القاهرة تجمعات شيعية تقل وتكثر حسب أحوال الزمان وبخاصة فى حى الحسين حيث كان أغلبهم من الشيعة الوافدين إلى مصر بهدف الاستقرار فيها والذين كانوا يقدمون من الشام وبلاد فارس والعراق وغيرها ولا تزال لهذه العائلات بقايا فى مصر حتى اليوم خاصة أنه عرف عن الأعاجم من الشيعة أنهم كانوا يفضلون السكن بالقرب من المشهد الحسينى ويتظاهرون فى مولده بالزينة الفاخرة والولائم العظيمة ويحزنون عليه حزنهم المشهور ويجتمعون فى منزل يتخذونه لذلك ويخطب أحدهم بالفارسية شعر رثاء آل البيت.

الجريدة الرسمية