رئيس التحرير
عصام كامل

محمود حافظ يكتب: قيود الواقع الافتراضي

فيتو

كيف كان شكل حياتنا قبل ظهور السوشيال ميديا ومواقع التواصل الاجتماعى (فيس بوك، تويتر، الإنستجرام، الواتس، الفايبر … إلخ)؟!

هل أثرت هذه المواقع بالسلب أو بالإيجاب على حياتنا؟، وما مدى هذا التأثير وعواقبه؟، كيف كنا وكيف أصبحنا؟، كيف أصبحت مشاعرنا الإنسانية ؟، كيف أصبح تواصلنا المجتمعى في العالم الواقعى الملموس بعد ظهور ذلك الواقع الافتراضى؟، تساؤلات عديدة أمل أن تكون السطور التالية كافية شافية للإجابة عليها.


اولًا: ماهو الواقع الإفتراضى؟
هو ما يطلق عليه اختصارًا (Virtual Reality) وهو انغماس المستخدم في بيئة اصطناعية تخيلية (لأنها من وحي الخيال ومن صنع البشر وليست طبيعية أو واقعًا ملموسًا) ومن ثم التخاطب مع هذه البيئة والتأثر بها ولن يمضي وقت طويل قبل أن يصبح عسيرًا فصله عن الواقع الحقيقي في حياته اليومية.

لقد بات كل شىء في عالمنا الواقعى يعتمد اعتمادا كليًا على الإنترنت، أصبحنا أسرى لشاشات الكمبيوتر والهواتف المحمولة والأجهزة اللوحية، باتت أسلحتنا هي الكيبورد والشاحن والباوربانك والهاند فرى، لقد أصبحنا أجهزة روبوت متحركة آدميون أليون يعبرون عن مشاعرهم بإيموشانات (رسومات) ضاحة أو باكية ويتبادلون باقات الزهور والقلوب الخالية من أي احاسيس آدمية، نعم كنا أفضل قبل ظهور العالم الافتراضى كان التواصل الاجتماعى صادق.

هل تتذكرون معى أيامنا الخوالى، عندما كانت الأسرة تجتمع على مائدة واحدة في الإفطار والغداء والعشاء؟،  هل تتذكرون زيارة الأقارب الدائمة والمستمرة و و معرفة أخبارهم أولًا بأول أيام ما كانت التكنولوجيا المتاحة في ذلك الوقت الفاكس والتلغراف والتليفون الأرضى؟، كانت العلاقات الأسرية وعلاقتنا بالجيران قوية، وكانت أيام الأعياد والمناسبات فرصة لتبادل التهاني والمشاعر الإنسانية الحقيقية التي افتقدناه جميعًا الآن.

بالأمس عندما كنا لا نملك الاتصالات الحديثة كان يومنا مليئا وحافل بالإنجازات، لم يكن هناك ذلك الجفاء الموجود الآن، لم يكن هناك مشكلات أسرية طاحنة كالتي يشهدها زماننا بعد ظهور الاتصالات الحديثة، فلم نعرف نظام ” التلقيح ” من على بُعد  كنا لا نعرف بعد الكومنت الذي يهدم علاقات أسرية أو البوست الذي يدمر علاقات الأهل والأصدقاء ببعضهم البعض، فذلك يكتب وذاك يرد ويتناحر آخرون على هذا وتلك ويحاول الجميع أن يفوز في هذه الحرب الإليكترونية وفي النهاية تضيع علاقتنا الإنسانية بـخاصية الحظر أو الـ”بلوك”، حتى الحب لم يسلم من تلك المشاعر الإليكترونية الباهتة الباردة والتي تبدأ دون منطقية بضغطة زر على “Add” أو الإضافة أو  من شات خاص، أمسينا نصارح الآخر بالحب ونتبادل الصور والأغانى والقلوب ثم نصبح  أعداء وتنتهى علاقات الحب التيك اواى والتي بدأت لا منطقية بنهايات أيضا لا منطقية و بضغطة زر أخرى على “BLOCK” أو الحظر.

حتى الدول أيضًا تغيرت ولم تسلم السياسة ولا الحروب من ذلك التقدم العلمى السريع جدًا، اصبحت الصراعات السياسية سواء كانت محلية أو إقليمية أو دولية تدار بالتباعية عن طريق الاختراق الإليكترونى والتنصت على الاتصالات وبرامج التجسس  لفضح المنافسين وهزيمة الأعداء، فقد كان تطور الحروب عبر الزمن مقترنًا بتعاظم قدرتها التدميرية، بدءًا من السيوف والرماح، إلى المجانيق، فالأسلحة النارية الخفيفة، ثم الطائرات والدبابات والمدافع الثقيلة، ومؤخرًا الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل، كانت الحروب تأخذ دومًا منحنى متصاعدًا في قدرتها على إبادة البشر، وتدمير الحجر.

لم تعد الجيوش كما كانت  على هيئتها المعروفة جنود وعتاد وخطط إستراتيجية وقوة عسكريه وأسلحة جبارة، فلو عدنا ثلاثين عاما فقط و سألنا كل قادة الجيوش والخبراء العسكريين والسياسيين: «هل يمكن أن يأتي اليوم الذي تُخاض فيه حربٌ ما، فتشلّ قدرات العدو تمامًا، بدون أن تسيل قطرة دمٍ واحدة من أي طرف؟»، لأجاب الجميع بدون تردد أن هذا مستحيل تمامًا، وأنه لا يعدو كونه ضربًا من ضروب الخيال العلمي، في كل صراعٍ يجري الآن في هذا العالم، محليًّا كان أو إقليميًّا أو دوليًّا، وفي كل حرب تدور، باردة كانت أو مشتعلة، بات ثمة حرب موازية ميدانها شاشات الحاسوب، وأسلحتها لوحات المفاتيح، ومقاتلوها محترفون إلكترونيون أو مشجعون هواة، ولا تقل تلك االحرب الافتراضية عن نظيرتها الواقعية؛ بل إنها أحيانًا قد تفوقها أهميةً وتأثيرًا.

يالا العجب اذن هل هذا التقدم التكنولوجي وثورة الاتصالات الحديثة السريعة المذهلة هذه كانت وبالًا على البشرية؟، الإجابة بالقطع نعم.. بالأمس كنا لا نملك هاتفًا محمولًا يسهل لنا الاتصال ونحن في أي مكان، كنا لا نملك بريدًا إلكترونيًا أو أي حساب على السوشيال ميديا نتبادل من خلاله صورنا وضحكتنا وأخبارنا وأعمالنا أيضًا، كنا نضحك من القلب ونبكى أيضًا بصدق لم يكن لدينا نافذة ترفيهية سوى قناتين أو ثلاث على الأكثر  كنا لا نعرف اخبار العالم إلا عن طريق جرائد لم يبلغ عددها أصابع الكف الواحدة، أما الآن فنملك وبسهولة اليوتيوب وآلاف البرامج وآلاف القنوات والمواقع والعديد من المجالات والجرائد، فتشتتنا وتاهت معالمنا في فضاء ذلك الواقع الافتراضى وقيوده العنكبوتية، وبالرغم من أن كل شىء قد بات سهلًا ومتاحا أمامنا وبضغطة زر واحدة وأصبحنا لا نفعله.
الجريدة الرسمية