رئيس التحرير
عصام كامل

أحوال المعلم.. والكتاب المدرسي


في سياق التربية والتعليم يستوقفني أمر عجيب وهو الكتاب المدرسي الذي تقوم الوزارة بطباعته بما يكلف وزارة التعليم أو الدولة على الأرجح ما يقرب من مليار ونصف المليار من الجنيهات بسعر ما قبل التعويم، وتقدمه للطالب تقريبا بالمجان، والغريب أن الطالب بداية من الصف الرابع الابتدائي لا يستفيد منه ويهمله إلى الكتاب الخارجي ومذكرات الدروس الخصوصية، ويكون مصير ذلك الكتاب الذي كلف الدولة المليارات أن يلقى في سلة المهملات..


ومهما تفنن واضعو الكتاب المدرسي في جعله جذابا فإنهم غير قادرين على منافسة الكتاب الخارجي؛ نظرا لأسباب كثيرة منها أنهم محكمون بعدد صفحات محددة؛ مما يجعلهم يقتصدون في التدريبات والامتحانات ومعاني المفردات والشرح والتفصيل والتطبيق إلخ، بينما الكتاب الخارجي يقوم بكل ذلك، لذا ينبغي حل هذه المشكلة بما يوفر على الدولة هذه المليارات أو يقلل منها..

وما دمنا لن نستطيع أن ننافس الكتاب الخارجي، ومصريين على ذلك الكتاب المدرسي العقيم، فأول حل يكون في إعادة تدوير الكتاب المدرسي، حيث البدء في جمع الكتب الدراسية عقب إعلان نتيجة الامتحانات، على أن يحصل الطلاب على إيصال من المدرسة بتسليمهم الكتب الدراسية التي تم الانتهاء من الدراسة بها في الترم الأول والترم الثاني؛ ليسهل لهم تسلم الكتب الجديدة.

ثم تتم عملية فرز الكتب وتصنيفها والإبقاء على الكتب الصالحة للدراسة مرة أخرى، والتي يمكن أن تصل نسبتها من 30 إلى 50% من إجمالي كتب الوزارة. ثم تقوم سيارات النقل بنقل الكتب غير الصالحة مباشرة من المدرسة إلى المصنع. لذا يمكن لنا توفير نسبة تتراوح ما بين 40-45% كتب صالحة لاستخدامها للعام الدراسي الجديد، مما يوفر للوزارة النسبة السابقة من الورق – والطباعة – والنقل، ويوفر على الأقل نسبة 40% من إنتاج الكتاب، بما يقدر بنحو خمسمائة مليون جنيه تقريبًا.

وبالطبع فإن هناك محفزات لتسليم الطلاب لكتبهم، منها درجات تضاف في السلوك والنشاط، وبعض المحفزات المعنوية مثل شهادات التقدير والتكريم، ومحفزات مادية تتمثل في تخفيض المصروفات بنسب وفق حالة الكتب وجودتها الخ من المحفزات المادية والمعنوية. ثم ينبغي أن ندرس كيف يكون الكتاب المدرسي هو المرجع الأول للطالب، ويكون جاذبا له وليس منفرا ليؤدي ذلك الكتاب دوره المنوط به.

وسيبقى الحديث متصلا عن استراتيجية العملية التعليمية وتقدمها وتطورها؛ الأمر الذي قبل أن يتعلق بالكتاب المدرسي ويتعلق بماديات ووسائل العملية التعليمية من أجهزة ومبان، فإنه يتعلق بصورة أعمق بالمعلم الذي عليه عبء توصيل المعلومات عن طريق المباشرة أو باستخدام الوسائط التعليمية، فببساطة شديدة لن تتقدم العملية التعليمية بأي حال من الأحوال طالما كان المعلم غير مؤهل أو لم يكن غير راض عن وضعه المادي والمعنوي..

فالأجدى أن نبحث تحسين الوضع المادي والمعنوي للمعلم حتى يكون في مكانته اللائقة معنويا وماديا كما فعلت الدول التي تقدمت في ذلك المجال مثل اليابان وأمريكا، وأيضا الدول العربية، ونجعل المعلم على رأس سلم المرتبات ثم يأتي بعد ذلك الحساب العسير للمقصرين من المعلمين في توصيل المعلومة أو في التورط في الدروس الخصوصية، ويكون أقل عقاب هو الفصل من الوظيفة والتحويل للنيابة العامة وقتها سينصلح أحوال التعليم في مصر..

للأسف تحاول الحكومات المتعاقبة في اتجاهات غير مجدية وتبتعد عن دراسة أحوال المعلمين إلى دراسة المباني والأجهزة التي لا يمكن أبدا مهما كانت متقدمة أن تؤدي إلى إصلاح العملية التعليمية دون عنصرها الأساس وهو المعلم المهان ماديا ومعنويا، والذي – كما علمت من بعض المعلمين – ينخفض مرتبه سنويا بصورة غريبة بدلا من أن يرتفع وآخر خفض وخصم له كان في الشهر الحالي الذي تم خصم من مرتبات المعلمين ما لا يقل عن 80 جنيها بحجة التأمين الصحي والمعاشات فبدلا من زيادة المرتبات في الوقت الحالي الذي يعاني فيه الجميع من ارتفاع الأسعار إذا بالحكومة تقلص مرتبات المعلمين وتطالبهم بالعمل الجاد والارتقاء بالتعليم وهذا بالطبع غير مستطاع من معلم مهموم بلقمة العيش.. وطبعا استثني فئة حيتان الدروس الخصوصية الذين يعينون سكرتارية لجمع الأموال الطائلة وهم بالمناسبة بعيدين عن الضرائب أو أي شكل من أشكال المحاسبة القانونية.
الجريدة الرسمية