رئيس التحرير
عصام كامل

كثير من العقل.. قليل من العاطفة


ثورة ٢٥ يناير.. هل كان هناك تخطيط أو ترتيب لها؟ أبدًا.. هل كان هناك تحديد لمراحل تطورها؟ لم يحدث.. هل كانت هناك قيادة لها، وأن هذه القيادة كانت واعية لما سوف تقوم به؟ بالطبع لا.. هل تشكل لها مجلس أو هيئة تقوم بالدراسة والتحليل لما تم، وتضع تصورًا لما يجب أن يتم، أم أن الأمر كان يجرى -هكذا- كيفما اتفق؟ لقد كان الهدف الأساسي هو إقامة تظاهرة في ذلك اليوم للمطالبة بإيقاف العمل بقانون الطوارئ، ولا بأس من تصعيد المطلب إلى إقالة وزير الداخلية، إذا سمحت الظروف بذلك..


غير أن الشباب الذين دعوا إلى التظاهرة فوجئوا بما لم يكن في التصور ولا في الحسبان، وهو خروج الشعب.. كأنها كانت شحنة أو طاقة غضب مكبوتة في صدور قطاعات عريضة من الشعب المصرى، وجاءت فرصة التعبير عنها على هذا النحو.. هذا كل ما في الأمر.. لم يكن هناك مسار واضح أو محدد.. كان كما يقال: "اليوم بيومه"..

مضت فترة إلى أن خرج الشعار؛ عيش - حرية - عدالة اجتماعية - كرامة إنسانية.. حسنًا، لكن هل فكر أحد كيف يمكن أن تترجم مفردات هذا الشعار على أرض الواقع؟ وهل يمكن تنفيذها على التوالى أم على التوازي؟ لا إجابة.. نحن كمصريين نحب أن نشعر دائمًا أننا قمنا ونقوم بعمل عظيم، لم يقم أحد بمثله.. والسبب أننا عاطفيون أكثر من اللازم...

بالطبع، هناك شعوب كثيرة تختلف عنا في هذا الجانب، وهى أنها تحتكم إلى العقل في كل ما تفكر فيه أو فيما تقوم به من عمل.. لذا استطاعت أن تخط طريقها وأن تبنى لنفسها مجدًا.. نحن لا نريد -ولا نستطيع- أن نكون كذلك، لكن لا أقل من أن نجمع بين العاطفة والعقل.. أن نفكر.. أحيانا يدعى بعضنا أن أجدادهم كانوا عظماء وعباقرة.. حسنًا فأين هم من ذلك؛ ماذا فعلوا وماذا قدموا، أم أنهم يعيشون على ما حققه أجدادهم؟ في الواقع، ينطبق علينا المثل المصرى الشهير: "القرعة تتباهى بشعر بنت أختها"..

أعجب كثيرا من بعض العبارات التي كان يرددها البعض فيما مضى: "إحنا اللى خرمنا التعريفة"، أو "إحنا اللى دهنا الهوا دوكو".. هل هذا معقول أو مقبول؟! تمامًا كما نتباهى طول الوقت بأننا أصحاب أول وأعظم حضارة في التاريخ، وأن الفراعنة - أجدادنا - فعلوا كذا وكذا.. حسنا، هؤلاء فعلوا ذلك كله، فماذا فعلنا نحن؟ ماذا قدمنا لأنفسنا وللعالم من حولنا، ولأولادنا وأحفادنا من بعدنا؟ وإذا كنا نحن نتفاخر، بأننا أحفاد الفراعنة، فما الذي سوف يقوله عنا أحفادنا؟ الحقيقة إننا في وضع مخجل ومخزٍ.. يجب أن نقف مع أنفسنا لحظة، على مستوى الفرد، والأسرة، والمجتمع، والدولة..

ما الذي نريد تحقيقه حاضرًا ومستقبلا؛ سواء على المدى القريب أو البعيد؟ هل حددنا لأنفسنا أهدافا بعينها؟ وهل سألنا كم تحتاج هذه الأهداف من وقت وجهد، وما تتطلبه من قدرات وإمكانات، وهل نمتلك ذلك أم لا؟ وهل هذه الأهداف -من حيث المبدأ- مناسبة لنا أم لا، أم أن حياتنا تمضى هكذا دون تحديد لأى شيء؛ لا تفكير، ولا أهداف، ولا تخطيط، ولا أعداد؟ وهل إذا حدثت أزمة ما، هل توجد لدينا إدارة مناسبة لمواجهتها؛ فكريًا وسياسيًا وأمنيًا وإعلاميًا، أم نترك أنفسنا في مهب الريح تفعل بنا ما تشاء؟!
الجريدة الرسمية