رئيس التحرير
عصام كامل

ثقافة تعذيب المستثمر الأجنبي.. الأزمة والحلول


أذهلني ما تداولته وسائل التواصل الاجتماعي في نقد مشروع مول مصر الذي افتتح مؤخرا بسبب أسعار التذاكر ليظهر البعض من المجتمع المصري عن عداوتهم الدفينة نحو الاستثمار الأجنبي، رغم أن خبراء الاقتصاد المصري يدركون أن خفض الدين العام لن يتحقق الا باستقطاب الاستثمار الأجنبي لزيادة المتحصلات من الدولار وبهدف رفع قيمة الجنيه.. وعلي الجانب الآخر تصرح الدولة أن جذب الاستثمارات الأجنبية هو أولوية قصوى لرفع مستوى دخل المواطن المصري وتحقيق الاستقرار والخروج من الأزمة.


رغم هذا التناقض الصريح المرعب فإن المستثمر الإماراتي ماجد الفطيم تحديدا يخضع لدعم الحكومة لما يمثله ثقل المشروع وحجمه وأثره المباشر على الاقتصاد من خلال تنشيط السياحة وتشغيل العمالة وتأهيلها للعمل في مشروعات أجنبية إلى التأكيد على الاستقرار الاقتصادي أمام مؤشرات الاقتصاد العالمي.. ولكن أين سيكون موقع المستثمر الأصغر حجما وغير القادر على التواصل مع القيادات العليا فلن يجد أمامه إلا الموظف الحكومي الصغير الذي يوصف أنه مايسترو تعذيب المستثمر.. بسبب ثقافة مصرية عتيقة مثلت المعوق الرئيسي أمام الدولة في جذب الاستثمار الأجنبي.. وهي ببساطة نتاج مناهج تعليم الحقبة الاشتراكية التي تصف صاحب المصنع باللص مصاص دماء الفقراء وصاحب الأراضي الزراعية بالأقطاعي..

وفي تبرير مباشر لجريمة التأميم التي مازالت تمثل الفزاعة أمام اندماج الاقتصاد غير الرسمي (٧٠٪‏ من حجم الاقتصاد) في الاقتصاد الرسمي للدولة مما يمثل معوقا رئيسيا للتنمية ولاندماج الاقتصاد المحلي مع الاقتصاد العالمي في ظل غياب مفاهيم الحوكمة الرشيدة والشفافية للقطاع الخاص (نمط الشركات العائلية ٩٧٪‏ من السوق) بما يشكل عقبة نحو استقطاب الاستثمار الأجنبي.

أن أكبر تحد تواجهه وزارات الاستثمار المتتالية هو تشوه شكل الاقتصاد المصري تاريخيا في الانتقال بين اشتراكية عبد الناصر وسوق حر عشوائي في عهد السادات ومبارك بدون خطة ممنهجة كالتي خضع لها الاقتصاد الصيني والتي سُميت إصلاح جانب العرض والتي ركزت على التحول نحو الاقتصاد الحر وبما يحقق العائد لمتوسط دخل المواطن من خلال تحويل نمط النمو الاقتصادي القائم على الاستهلاك المحلي إلى تحريك القوى المحركة للتنمية المستدامة من خلال مفاهيم التنمية الخمسة (الابتكار والتناسق الأخضر والانفتاح والتمتع المشترك) وهذه المفاهيم استطاعت تغيير نمط تفكير المواطن الصيني نحو الاستثمار الأجنبي وإدراكه بأثره بما شكل ثقافة مجتمعية لخلق بيئة جاذبة للاستثمار بعكس ثقافة العوام من المجتمع المصري وبالتأكيد فهناك في مجتمعنا من يدرك أهمية الاستثمارات الأجنبية ولكن ما زال هناك تشويش بسبب التحول غير الممنهج.

وبالطبع فإن المهاجمين للمشروع بسبب انخفاض قيمة الأرض والمرتبات والضرائب مقارنة بدول أخرى لا يدركون تقييمات المخاطرة التي تضعها مكاتب الخبرة الدولية نحو الاقتصاد المصري وأولها مخاطرة العملة currency risk والتي تتمثل في تذبذب سعر العملة الكبير إلى المخاطرة القانونية legal risk ولعل منع الشركات العالمية من تحويل أرباحها للخارج كان إحداها إلى جانب حزمة القوانين المعيقة وبطء التراخيص والتقاضي التي لم يحسمها البرلمان.. إلى المخاطرة السياسية والاستقرار political risk، حيث إن مصر دولة تقع في الشرق الأوسط المضطرب كما أنها تحارب تنظيمات إرهابية شرسة في سيناء ويلاحظ أن انتصار الدولة لا يعني ثقة كاملة للمستثمر بسبب سمعة تنظيم داعش دوليا إلى تراجع مستوى أداء البرلمان في معالجة قضاياه..

وإلى جانب مخاطرة الائتمان credit risk وتحدد التصنيف الائتماني للدول ثلاث مؤسسات أمريكية وهي ستاندرد اند بوز وفيتش وموديز فقد كان تصنيف مصر متراجعا ولكن أعتقد أن تغيير سياسات ترامب نحو مصر قد يعدل التصنيف للأفضل، أما آخر وأهم المخاطر هو التضخم inflation risk الذي ارتفع إلى مؤشرات قياسية خلال الأشهر الماضية عقب قرار التعويم ويتضح ذلك من فائدة البنوك التي تخطت فعليا ٢٣٪‏ سنويا.. كل هذه المخاطر ومازلنا ننظر للمستثمر أنه قادم لاستغلال واحتلال الوطن!؟

مع كل هذه التحديات فإنه يجب على المجموعة الاقتصادية في الحكومة وضع خطة لنشر شعار (مصر أرض الفرص) في أعين المستثمرين لجذب أكبر قدر من حجم الاستثمار الأجنبي المتداول من خلال:

١- إصلاح هيكلي للاقتصاد المصري للتحول المنهجي للسوق الحر المدروس والأخذ في الاعتبار التجربة الصينية (إصلاح جانب العرض) من خلال تحويل نمط النمو الاقتصادي القائم على الاستهلاك المحلي إلى تحريك القوى المحركة للتنمية المستدامة من خلال مفاهيم التنمية الخمسة (الابتكار والتناسق الأخضر والانفتاح والتمتع المشترك) ثم استخدام وسائل الدعاية عالمية في بؤر الاستثمار تحديدا.

٢- خلق بيئة جاذبة من خلال تحفيز الاقتصاد غير الرسمي على تطبيق الحوكمة والشفافية ثم الاندماج في البورصة (التي تمثل مؤشر هام) لاستقطاب الاستثمار وتوجيه ودعم طاقة القطاع الخاص لجذب الاستثمار الأجنبي باستخدام التحفيز والترهيب.

مع التأكيد على أن الدولة والمستثمر شركاء في التنمية لا أعداء.. وطرح نماذج مجتمعية لرجل الأعمال الوطني ( طلعت حرب)

٣- تقليص معاملات المخاطر لدرجات مقبولة من وجهة نظر المستثمر وليس المواطن أو الدولة.

٤-الوعي المجتمعي نحو التحديات والثقافة المحلية لتكون جاذبة ومتعاونة مع الاستثمار الأجنبي وإدراك أثره المباشر وغير المباشر ويلزم البدء بالموظف الحكومي كأولوية ويلزم استخدام التحفيز ثم العقاب طبقا لمعدلات الأداء.

٥- توفير التكنولوجيا المطلوبة للرقابة الأمنية الكاملة في ظل الانفتاح الاقتصادي كي لا يمثل الانفتاح خطرا على الأمن القومي.

٦- خلق مناخ داخلي قادر على الاستفادة من الاستثمار الأجنبي ولعل أهم النقاط هو تأهيل الموارد البشرية طبقا للمعايير الدولية وإنشاء مراكز بحثية متقدمة في الجامعات تستفيد وتفيد الاستثمارات إلى خلق التنافسية الإيجابية مع الاستثمار المحلي لمصلحة المواطن برفع مستوى الجودة.

أن جذب الاستثمار الأجنبي ليس معجزة وإنما خطوات تؤدي إلى نتائج منطقية ويمكن قياسها بلغة الأرقام.

كلمة أخيرة... أشعر أن الحرية في مواقع التواصل الاجتماعي قد تصبح أحيانا معوقا أمام الاستثمار الأجنبي الذي يحقق رفع مستوى الدخل للمواطن.. وللأسف لعل المقولة الشهيرة بأن الشعب غير جاهز للديمقراطية هي جزء من الحقيقة المؤلمة.
الجريدة الرسمية