رئيس التحرير
عصام كامل

الهزيمة العلمية


في ظل التراجع في بعض الميادين والمجالات والتي تسعى الجهود إلى النهوض بها الآن لا بد أن أتوقف أمام الأسباب التي أدت إلى التراجع، بل والجدل حول موضوع العلم. ويُلح على ذهنى سؤالًا اعتبره في اعتقادي واعتقاد بعض المفكرين طرحًا هامًا ألا وهو: هل نحن أمام هزيمة علمية أم ثقافية؟


والواقع من خلال قراءتى ومن خلال الواقع الذي نعيشه، بل ومن خلال تحليل التاريخ أجد أن الهزيمة التي تعرضت لها مصر تتمثل في الجانبين العلمى والثقافى ونحن الآن نرث نتائج هذين الهزيمتين في مجالات متعددة، وأتوقف في مقالى هذا عند الهزيمة العلمية كجزء أول فهناك اتجاهان الأول يدعو إلى توسيع نطاق مضمون العلم؛ بمعنى أكثر دقة الاهتمام بالبحث العلمى وتدريس العلوم وتقديم كافة التيسيرات التي تؤمّن مناخًا مستقرًا للعلماء والأساتذة والباحثين على نحوٍ يكفل لهم تقديم نتائج من العلم لصالح نهضة المجتمع وهذا ما نفتقده في مصر.

فمهمة العلم مُهمة شاقة لمن يحبها ويشتغل بها؛ فلا نجد الباحثين في مصر ولا الأساتذة ولا العلماء يتحدثون عن معاناتهم البحثية من نقص في الموارد؛ ومع ذلك ينحتون في الصخر لاستكمال أبحاثهم ودراساتهم، فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد معظم الأساتذة بالجامعات المصرية يُكرسون وقتهم للعلم وللتدريس في مقابل راتب شهرى لا يوفى بالاحتياجات الخاصة بحياتهم أو الخاصة بالعلم، فيما عدا بعض كليات الهندسة والطب لأن لهم منفذًا موازيًّا لزيادة الدخل يتمثل في المكاتب الهندسية والعيادات، ومع ذلك أخلاقهم العلمية لا تسمح لهم بالتذمر مثل فئات أخرى في المجتمع، فلا تجدهم يسيئون استخدام واجبهم الوطنى تجاه أبنائهم من تدريس وامتحانات وتصحيح في الضغط للحصول على مزايا مادية بل تجدهم يُدركون جيدا بأن دورهم دور أخلاقيّ تجاه الوطن.

فالدعوة إلى الاهتمام بموضوع العلم تتطلب الاهتمام بالمنهج العلمي، أو بمعنى دقيق الأسلوب العلمي في التفكير، الأسلوب العلمي في مقابل الأسلوب الخرافي أو العشوائي الذي كان ولا يزال منتشرًا ومنهجًا في جوانب متعددة من التفكير أو الممارسات على جميع الأصعدة، وفى الحقيقة نحن في أشد الحاجة إلى استخدام الأسلوب والمنهج العلمى للارتقاء وللنجاح في ميادين متعددة؛ فالأسلوب العلمي يُستخدم بنجاح في الدعاية والتخطيط الاجتماعي والاقتصادي وفى السياسة الداخلية والخارجية وغير ذلك من المجالات التي يطبق فيها المنهج والتفكير العلمي فهو ينقل ويغير من حال إلى حال، من حال التخبط والارتجال إلى حال التنظيم والترتيب والتقدم.

كما أن هناك علاقة وثيقة بين العلم وبين الأخلاق، والتي تتعلق بالقيم والسلوك؛ فكل من العلم والأخلاق يدعمان بعضهما البعض ودائما الآن نطرح التساؤل بل تقام الحوارات في كيفية استعادة القيم الأخلاقية وفى الحقيقة دُعيت لأكثر من لقاء واجد على المنصة رجال الدين الذين نجلّهم ونحترمهم بل نجد أسماء رنانة في مجال الإعلام وشخصيات رسمية للحديث عن القيم والهوية الوطنية، وقد أُسقِطَ من هذه اللقاءات دور العلم الذي هو بالأساس مصدر من مصادر الأخلاق، بل أُسقِطَ من هذه الحوارات المفكرين والأساتذة المهمومين بارتقاء المجتمع، وأظن أن هذا الإسقاط يرجع إلى أحد عاملين: الأول، هو عدم المعرفة بهؤلاء الذين يختصون بالعلم والمعرفة. والعامل الثانى هو تجاهل هؤلاء ليظل المجتمع كما هو دون تجديد للفكر، والعاملان أشد خطرًا من بعضهما البعض على الوطن.

والقارئ الآن لمقالى هذا قد يطرح سؤالًا ما علاقة العلم بالأخلاق؟ وإجابتي هي: إن ارتفاع المستوى العلمي للفرد أو الأمة يعنى مزيدًا من الارتقاء في الأخلاق؛ فالعلم يُهذب صاحبه ويُهذب من يتعلمه، فالنهضة العلمية يصاحبها بالضرورة نهضة أخلاقية ومن ثم تقدم المجتمع.

والسؤال الذي أختم بها مقالي هل نستخدم الأسلوب والمنهج العلمي في ميادين كثيرة الآن؟ هل نستخدم التفكير العلمي في مجال التنمية على جميع المستويات سواء تنمية الموارد أو التنمية البشرية؟ بل هل نستخدم المنهج العلمى في الإصلاح الاقتصادي؟ وهل نحاول أن نستخدم المنهج العلمي في أزمة الانفجار السكاني أو في إشكالية التعصب والتجمد الذهني وعدم الاستجابة لدعوة تجديد الخطاب الدينى؟ هل قمنا بتأصيل منهج علميّ لثقافة التطوع والانتماء لدى الشباب؟..

وأقف طويلًا أمام ظاهرة الإرهاب والتي يعوّل كل المجتمع على المكافحة الأمنية له فهل طرحنا مشروعًا قوميًّا لمحاربة الإرهاب بطريقة علمية بجانب المواجهة الأمنية، الكل يتحدث عن المواجهة الفكرية في ندوات بأعداد صغيرة جدًا.. هل طُرح مشروع وطنيّ على أسس ومعايير علمية للتحاور مع القرى والنجوع والكفور والعمل على تثقيفها بصورة علمية، نحن في أشد الحاجة كوطن للاستعانة بكل العقول المفكرة والمخلصة والأمينة للنهوض بهذا الوطن، والنهوض من الهزيمة العلمية.
الجريدة الرسمية