رئيس التحرير
عصام كامل

زمهرير الشتاء


اعتدت صغيرًا سماع (الدنيا بتمطر) ولأنني في الصعيد فلم أسمعها كثيرًا فالمطر قليل والحر كثير، وعندما كبرت وسافرت إلى الإسكندرية وجدت لفظ مختلف (الدنيا بتشتي) لكن تردد على أذني مرارًا، فيوميًا تهطل الأمطار، وما بين الصعيد والإسكندرية اختلفت الألفاظ لكن تشابهت نقاط المياه فوق الرؤس، لقد دعاني هذا اليوم ببرده القارس إلى البحث لمعرفة الشتاء..


فترجلت في الشارع ونقاط الأمطار تتساقط على رأسي لأكتشف أن الشتاء ذكر في القرآن صراحة مرة واحدة في قوله تعالي: ( لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف) وابتلت قدماي في الوحل فعلمت أن سيدنا عبد الله بن مسعود عندما كان يحل الشتاء كان يقول (مرحبًا بالشتاء تتنزل فيه البركة ويطول فيه الليل للقيام، ويقصر فيه النهار للصيام) ثم أخذت نفسي وفتحت فمي فوجدت البخار يخرج منه لأتيقن أن الشتاء قد يكون عذابًا مثل النار فأمعنت النظر في قول الرسول صلى الله عليه وسلم( اشتكت النار إلى ربها فقالت: يارب أكل بعضي بعضًا فأذن لي بنفسين، نفس في الشتاء ونفس في الصيف، فهو أشد ما تجدون من الحر، وأشد ما تجدون من الزمهرير) متفق عليه، والمراد بالزمهرير شدة البرد فإن شدة برد الدنيا يذكر بشدة نار جهنم.

وهذا ما يوجب الخوف والاستعاذة منه، فأهل الإيمان يدفعهم حر جهنم، إلى الاستعاذة منه، ويذكرهم بالجنة التي يصف الله عزوجل أهلها فيقول ( مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرا )ً قال قتادة: علم الله أن شدة الحر تؤذي وشدة البرد تؤذي، فوقاهم آذاهما جميعًا فيدفعهم هذا إلى النصب وإلى التهجد فكل ما في الدنيا يذكرهم بالآخرة.

ثم عدت مثلما خرجت ارتعد من شدة البرد لأجد الكلمات تتجسد في مضمون واحد، وهو ما قاله الحبيب صلى الله عليه وسلم ((الشِّتاء ربيعُ المؤمِن))، وزاد البيهقيُّ وغيرُه: ((طال ليلُه فقامَه، وقصُر نهارُه فصامَه)) فسألت نفسي وأطرافي ترتعد كيف يكون الشتاء ربيعًا فعلمت أن المؤمن يرتَع في بساتين الطاعات، ويسْرَح في ميادينِ العبادات، ويُنزِّه قلبَه في رِياض الأعمال الميسَّرة، فإذا ما نزَل الغيثُ والأمطار أقَرَّ بفضْلِ الله ونعمته، ودعَا ((ثِنتان ما تُرَدَّان: الدعاء عن النِّداء وتحتَ المطَر))

اللهم ألف بين قلوبنا واحقن دمائنا واحفظ مصرنا وأجبر كسرنا وأحسن خلاصنا واجعلنا أخوة متحابين لا ضالين ولا مضلين.
الجريدة الرسمية