رئيس التحرير
عصام كامل

ليديا يؤانس تكتب: وبكى لينوكس!


في 25 ديسمبر، اتصلت لكي أُهنئ لينوكس بالكريسماس..
آلو لينوكس.. ميري كريسماس..
ميري كريسماس ليديا..
أخبارك إيه؟ هل كل شيء تمام؟!

الصوت اختنق في حنجرته!
وبكى لينوكس!

من نحو 5 سنوات، اعتدت على زيارة سيدة فاضلة من ترينيداد، كانت قد أصيبت بجلطة دماغية "Stroke" أثرت على ذراعها ورجلها.

دولة ترينيداد يُطلق عليها "جمهورية ترينيداد وتوباغو" وتقع جنوب البحر الكاريبي، على بعد 11 كيلومترا من فينزويلا، أهلها يتكلمون الإنجليزية، وتُعرف الترينيداديات بقمة الجمال والأنوثة.

مسز جيمس لا أستطيع حفظ اسمها لأنه مكون من نحو عشرة أحرف أو أكثر، سيدة فقيرة جدًا، جميلة جسديًا وروحيًا، لونها الأسود يميل إلى البرونز، فيُزيدها جمالًا، بالرغم من تخطيها التسعين عامًا.

تعيش في كندا تقريبًا معظم حياتها، حضرت هي وزوجها وكانت مازالت شابة، بسبب مرضها وفقرها المُدقع، وفرت لها الدولة شقة مُدعمة تدفع إيجارها من معاشها الضئيل، وأيضًا تُرسل لها بعض الممرضات، أو العاملات اللتي يقمن برعايتها بعض الساعات على مدى الأسبوع، قد يقومون بعمل بعض الأعمال المنزلية أو الطبخ أو تنظيف السيدة نفسها.

السيدة لديها بنتان، وابنها لينوكس الذي غالبا تخطي الخمسين عامًا، وكان يعيش مع أمه، ولكن يبدو أن حظه مُتعثر في الحصول على وظيفة يعيش منها!

منذ أن حضرت إلى كندا، وأنا أقوم بخدمة المُحتاجين لمن يسأل عنهُم، بسبب مشكلاتهم الأسرية أو النفسية، وأيضًا أقوم بخدمة زيارة المرضى وكبار السن سواء في منازلهم أو المستشفيات أو منازل كبار السن، هذه الخدمة أقدمها للمصريين والعرب والأجانب.

هذا العمل عندنا في المسيحية يُسمى "افتقاد" وبالإنجليزية يُسمي "Visitation" ويُعتبر خدمة تطوعية، غير مدفوعة الأجر، بل في بعض الأحيان والمناسبات، أقوم بشراء بعض الهدايا البسيطة، لكي أُدخل البهجة على قلوب حزينة أو أجساد واهنة، تحتاج لمسة محبة وحنان.

كل الناس من مُنطلق الإنسانية، مُطالبين بأن يُقدموا محبة وعمل رحمة للمحتاجين، والمسيحيين مُطالبين بالأكثر أن يُقدموا المحبة العملية للآخرين، كما علمنا المسيح حينما قال، "لأني جُعت فأطعمتموني، عطشت فسقيتموني، كُنت غريبًا فآويتموني، عُريانًا فكسوتموني، مريضًا فزُرتموني، محبوسًا فأتيتُم إليّ" (متي 25: 35-36).
ويتساءل الأبرار، متي يارب رأيناك جائعا فأطعمناك أو عطشانا فسقيناك.. أو...أو.. ؟
فيرد عليهم قائلًا: الحق أقول لكم بما أنكم فعلتموه بأحد أخوتي هؤلاء الأصاغر فبي فعلتُم (متي 40:25).

كانت مسز جيمس من الناس الأجانب الذين أقوم بزيارتهم وافتقادهم، برغم كبر سنها ومرضها كانت تتذكرني بالاسم مهما أن غبت عنها، كنت اقرأ لها الإنجيل، وأقوم بشرحه، وأصلي لها، وأحيانا أشجعها على أن ترنم حيث إنها كانت تقوم بالترنيم في الكنيسة.

رحلت مسز جيمس من نحو 5 شهور، وأصبح لينوكس في الشارع، وبدون عمل، لا أدري تفاصيل حياته، غير أن الحكومة أخذت الشقة!

اتصلت في العيد لأعطي لينوكس نوعا من التعزيات والتهاني، ولكنه بكي!

حينما تسمع أو تشاهد امرأة أو طفل يبكي، ستحتقن مشاعرك بالألم من أجلهم، ولكن حينما يبكى رجل، يكون الموضوع صعبا جدًا، لأن هذا يعني أن أمرًا صعبًا أو حدثًا جللًا ابكي هذا الرجل!

لم أتدخل كثيرا في حالة لينوكس، حاولت الحديث عن وحدته وفقدانه أمه، ولكنه اكتفي بالبكاء، وأنا اكتفيت بأن انسحبت من المُكالمة، والدموع تنهمر من عيوني، وقلبي يؤلمني، لأنني أعلم أنه في الغالب يبكي بسبب، ضيق المعيشة، وربما لا يجد مكانًا يأويه، وإذا وجده، ربما لا يستطيع دفع الأجرة!

ظللت أيامًا مُتألمة، وأفكر كيف أتصرف وأقدم المساعدة له، ولكنني لست في وضع مالي يسمح لي بتقديم المساعدات المالية، وأيضًا لا أستطيع الزيارات، لأنه رجل ويعيش بمفرده، استقر الرأي بعد استشارة بعض الأصدقاء على أن أترك موضوع لينوكس على الرب، فهو كفيل بأن يرعاه ويُسدد كل احتياجاته.. آمين!

ضحكت وتذكرت هذه الردود التي دائما نسمعها، مما يتهربون من تقديم عمل رحمة أو محبة للمحتاجين، وللأسف هذه الردود من أثرياء ومُقتدرين، لكي يُبرروا امتناعهم عن تقديم المساعدات للمحتاجين، تسمعهُم يقولون، ربنا يرسل لهم ملابس، ربنا يُدفئهم، ربنا يرسل لهم أكل ليأكلوا، فعلًا ربنا هو المسئول!

ولكن الرب يُريددنا أن نعمل معه، يُريدنا أن نُظهر محبتنا لمن يحتاجون لعمل محبة، نحن سنفرح بأننا عملنا كما علمنا المسيح، والآخرين سيفرحون بأخوتهم الذين يقدمون لهم المحبة العملية.

ياما عيون بتبكي وراء أبواب مقفولة، وياما عيون بتبكي وراء شبابيك مقفولة، ناس كسرتها الضيقة وشظف الحياة، حياؤهم يمنعهُم أن ينطقوا بما يُعانون، وحتى إذا لمحوا باحتياجاتهم فليس بمستجيت، هؤلاء يبكون كما بكى لينوكس!

وياما ناس قلوبها جاحدة، لهُم مظاهر التقوى وليس جوهر التقوى، تجدهم يُهرولون على دور العبادة، ويحثون الناس على ممارسة الطقوس الدينية، وكأنهم أدوا واجباتهم أمام الله، ولكن إياك أن تقترب من جيوبهم!

أقول هذا الكلام لإخواتنا في مصر، الذين يعانون اقتصاديا، ويعتقدون أن مصابهم بسبب مصر!

يا مصريين، لينوكس واحدا من كثيرين يعانون اقتصاديا في دولة غنية مثل كندا، لينوكس يبكي ولا يعرف كيف يأكل ويدفع أجرة غرفة تحميه من ثلوج الشتاء!

يا مصريين لستم أنتم فقط الذين تبكون، بل كثيرين مثلكم، وفي دول كثيرة من دول العالم، وقد تعتقدون أنهم ينامون على الدولارات والإسترليني واليورو، ويتغطون بالدولارات والإسترليني واليورو!

أختم كلامي بأن أوجهه لمن يملكون الثروات الطائلة، لمن يملكون الملايين، فكرتوني بزمان في مصر، كانوا يقولوا على المليون "أرنب"، وكل واحد عايز الأرنب يبقى أرانب، هنا أيضا عايزين المليون تبقي ملايين وكأنه سباق الملايين!

وفي هذا السباق المليونى، نسيّ أو تناسى هؤلاء الذين يربون الأرانب، أو يحصدون الملايين، بأن يساعدوا أي شخص، حتى ولو وجدوه محتاجًا لمبلغ بسيط يفك ضيقة مالية عنده، أنهم يكتفون بالقول، إن الله سيفك ضيقته!

أنهم يستندون على المثل القائل، "عُض قلبي ولا تعُض جيبي"، واركن المسيح على جنب بتعاليمه التي تحضنا على العطاء بدون عائد!

أحيانًا إللي غاوي يربي أرانب، أقصد إللي عايز يعمل ملايين، تجده يضع المليون بجانب المليون، علشان يدفوا بعض، ويبقوا ملايين، تجد الشخص يشتغل سبعة أيام في الأسبوع، ولم يعط نفسه إجازة، لم يستمتع بما حققه من ثروة، والتالي ليس عنده الوقت للبحث عن شخص محتاج، يستحق أن يعطيه مما أعطاه الله، وفجأة تجد الشخص، طب ميتًا، أو طب مريضًا، وفي غضون فترة بسيطة تجده رحل، بدون ملايينه، بدون ثروته، بدون مشاريعه، ملايينه تركته يذهب بمفرده فاضي اليدين والجيوب ودفتر الشيكات، لم تشفق عليه ملايينه، لم تعضه عن صحته وعمره الذي أفناه في جمع الأموال، وذهبت ربما لتسعد سعيد الحظ الذي سيأخذ على الجاهز!

جميل أن نسعد بالمال، وليس أن نكون عبيدا للمال!
جميل أن تُسعد إنسانًا بأن تُعطيه مما أعطاك الله، والله سيسعدك كما أسعدت غيرك!
جميل أن تتذكر أن نابليون بونابرت قال: إذا لم تستطع عمل أشياء عظيمة، افعل أشياء صغيرة بطريقة عظيمة!
الجريدة الرسمية