رئيس التحرير
عصام كامل

التفكير النقدي.. أزمة بقاء الأمة


يعد تعريف "واطسون جالسر" للتفكير النقدي من أقرب التعريفات إلى عقلي ألا وهو (فحص المعتقدات والمقترحات في ضوء الشواهد التي تؤيدها والحقائق المتصلة بها بدلا من القفز إلى النتائج)، وبعيدًا عن مناقشة منهجية وأهداف التفكير النقدي وطرق القياس فهو ما يميز العقل البشري عن باقي المخلوقات الأخرى.


وكما رآه أرسطو ثم أفلاطون وسقراط أنه محور التطور الحضاري البشري وفي الغرب اليوم أصبح التفكير النقدي نمط حياة أكثر منه أسلوبا محصورا للتحليل العلمي، ومع تنامي إحداثيات العولمة وتداول المعلومات أصبح هناك في مجتمعاتنا من الشباب والفئات الأخرى من يؤمن بذات الأسلوب في ظل تمسك المجتمع بثوابت تقليدية بعضها إيجابي وبعضها يندرج تحت بند الخزعبلات والأساطير، وتتلخص الأزمة بمجتمعنا المصري في معاداة أصحاب الفكر النقدي للفكر المجتمعي العام، وأصبح المجتمع بين قطبين متضادين، وقد يكون هؤلاء قلة ولكن لهم قدرة إبداعية لا يمكن إغفالها... ولعل أهم مظاهر إغفال التفكير النقدي في مجتمعاتنا هي:-

أولا: ضعف الإبداع العلمي لمجتمعاتنا وتراجع تصنيفنا العالمي (١٣٩من ١٤١ دولة) مقارنة بدول العالم المتقدم لأن العلم بني على نقد الثوابت ودحر الأساطير فلو اقتنع جاليليو بأفكار رجال الدين ما كنا سندرك أن الأرض كروية.

ثانيا: وجود فجوة مجتمعية بين الشباب والأجيال الأكبر سنًا خاصة من عملوا بالخارج أو درسوا مناهج أجنبية لاختلاف أسلوب التفكير، إضافة إلى السرعة في تحليل القضايا والوصول إلى النتائج بناءً على العولمة في تداول أنماط الفكر.

ثالثا: عدم تجاوب القطاع الحكومي المقيد بكم من القوانين واللوائح الصلبة مع القطاع الخاص والاستثمار الأجنبي الذي يؤمن بالتفكير النقدي والسرعة المفرطة للوصول إلى النتائج في ظل سوق مفتوحة، مما يسبب أزمات اقتصادية متتالية.

رابعا: تنامي التطرف ثم قوى الإرهاب لوجود إيمان بثوابت وأساطير موروثة ومسطرة بالكتب لا تخضع للنقاش العقلاني والأصعب أن تجد قادة الإرهاب من خريجي الطب والهندسة كما صرح وزير الثقافة.

خامسا: تأثر الحالة السياسية بوجود قوى مناوئة للنمط الفكري للنظام رغم إيمانها بذات الأهداف الوطنية مع رفضهم ثوابت مجتمعية مثل الثقافة القبلية وقضايا الحريات وقيود الإبداع.

لعل كتاب التفكير الناقد لمؤلفه الأمريكي "ألك فيشر" سرد قصصًا مشوقة عن نمط التفكير النقدي، وكان أكثرهم وصولًا للمعنى هو قصة مناقشة صديقتين يشاهدان تقريرًا إخباريًا عن قدرة الصاروخ باتريوت لإسقاط الصاروخ "سكود"، ونتج عن النقاش الحاجة إلى سؤال خبير عسكري عن مدى فاعلية ودقة الصاروخ باتريوت ونسب نجاحه دون الانتقاص من قدرة الجيش الأمريكي في إنتاج صاروخ متطور ليصل المؤلف إلى حقيقة أن التفكير النقدي لنقد الثوابت للوصول إلى أقصى درجات الحقيقة ليس عقبة بقدر ما أنه جزء من التطور الحضاري الإيجابي.

نهاية أؤكد أن بقاء الأمة المصرية في ظل تحديات العولمة والسوق المفتوحة مرتبط بتطوير أسلوب الفكر ودعم الفكر النقدي وتمكينه في النظم التعليمية كالنظم الغربية، وقد يكون بإلغاء نظام الثانوية العامة العتيق واعتماد نظام exit exam لقياس الإبداع والقضاء على الدروس الخصوصية، ثم استيعاب الشباب ذوي الفكر النقدي نحو بناء نهضة حضارية حقيقية، إلى جانب تطوير القطاع الحكومي ليعمل بروح القانون وليس بلوائح القوانين الصلبة لاستقطاب الاستثمار الأجنبي للشركات متعددة الجنسيات لتحقيق تفاعل الاقتصاد الوطني مع الاقتصاد العالمي يتلامس مع احتياجات المجتمع المصري.
الجريدة الرسمية