رئيس التحرير
عصام كامل

فتنة برلمانية في العلاقة الإيجارية


وكأن سكان وملاك العقارات القديمة تنقصهم كوارث ما بعد نصف قرن من فساد التشريعات والمحليات معًا، حتى يحضر برلمان بعد ثورتين فيلقي بكرة جديدة بملعبهم الغارق في بركة العلاقات المتوترة، متمثلة في تعديل مشوه مقترح لقانون الإيجارات القديمة، وربما الجديدة معًا.


المسودة التي ناقش بنودها العشوائية أطراف القضية الأزلية على مائدة حوار، غاب عنها ممثلو البرلمان قبل أيام، تحمل كثيرًا من الاستخفاف بهموم وأزمات شريحة كبيرة من المواطنين، تمثل جملة العلاقات اليومية التعاقدية المأزومة بالامتناع عن عدم تقدير لظروفها الزمينة، وما يطرأ عليها من متغيرات مجتمعية وتقلبات سياسية وانحرافات أفكار اقتصادية بتطبيقاتها التي يسدد فاتورتها بسطاء.

شريحة البسطاء ربما انضم إليها خلال عقود ملاكُ عقارات، لم ترق طموحاتهم للحصول على قيمة كيلو لحم سوداني رفعت الحكومة سعره الأسبوع الماضي إلى 75 جنيهًا، نظير إيجار شقة بمنطقة راقية أو متوسطة أو تجارية الطابع، وكذا الحال مع محال تجارية ووحدات استأجرتها مصالح حكومية منهم.

نفس الشريحة تضم بالتأكيد سكانُ مناطق إسكان أهلي لا تحتمل ظروفهم أي تلاعب تشريعي باستقرارهم داخل وحدات مستأجرة، عانوا الأمرين للحصول على مرافق وخدمات مناطقها، وتحولوا بها إلى نماذج تكاد تقترب من مصطلح "السكن" المكتفي بحالة "الجدران الأربعة"، ولم تخدم ترقيعات الحكومات المتعاقبة لأنظمة الدعم والمجانية الزائفة، تأهيل قدراتهم لتحمل قيم أعلى لإيجارات يراد لها أن تتحرك ككل شيء الآن، خصوصًا أن أبناءهم لأجيال تالية سددوا فاتورة غباء تطبيق قانون جديد للإيجارات، دون وضع حد أدنى وأقصى لقيمتها، حسب مساحة كل وحدة ومستوى كل منطقة.

أي إن قانونًا جديدًا لا يخدم حقوق هؤلاء وأولئك لا تحتمل الملايين تداعياته، حال طرح مقترح له بهذه الصورة، يتحدث عن إلغاء تام لكافة عقود الإيجار القائمة دون تمييز، ومدد ضئيلة لتنفيذه مع دخول الحكومة طرفًا متطفلًا في العلاقة الإيجارية على طرفيها، وإدعاء مشروع القانون دعمها للمضارين من تحريرها، وكأن كلمة "تحرير" التي أمتعتنا بها كتب التاريخ صغارًا في سيرة استعادة الأرض، تنتهك ويساءُ لسمعتها بعد تطبيق سياسات الانفتاح والخصخصة وارتفاع معدلات التضخم عقب تعويم فاشل للجنيه بالأخص.

الآن يحضر برلمان ليلاعب بعضُ أعضائه المواطنين ويتلاعب بعلاقاتهم التعاقدية، بمصطلح لا يمكن لمجتمع استيعابه دون دراسة مختصين واستدعاء أطراف هم أصحاب المصلحة والحقوق، ليكونوا على مائدة حوار مشترك، يرفضها نواب مؤقتون.

ملاك المساكن أنفسهم يرفضون نظرية طرد سكان الإيجارات القديمة التي يعتمدها مشروع القانون أو الإضرار بهم، ويرون في تغييب قانون عادل للإيجارات وإصلاح شامل لمنظومة السكن في مصر، سببًا مهمًا في تنامي العشوائيات وسقوط العقارات وهروب الملايين إلى سكن المناطق الخطرة والمقابر وتردي حالة المرافق والخدمات، وتكدس المحاكم بأكثر من 600 ألف قضية بين ملاك ومستأجرين.

أما المستأجرون ومؤيدو استقرارهم اجتماعيًا، فيرون مشروع القانون المشوه مادة خصبة لاستثمارات بنوك في أزماتهم عبر نشاط التأجير التمويلي للوحدات التجارية، وزيادة الرهن العقاري للسكن، وضرب شرائح اجتماعية لم تدعمها الدولة بعد نص دستوري واضح، وتركتها فريسة لمحترفي تحويل السكن من حق إلى سلعة.

طرفا العلاقة يعرفان طبيعة الأزمة وآلية الحل، لكن طرف التشريع يجيد التلاعب بهما، ويتجاهل وجودهما ويفرض سياسات ينضم معها إلى صف السلطة وحكوماتها، ويفقد معها مصداقية دوره الرقابي عليها، والتشريعي لأجل ضمان حقوق لا تحتمل مزيدًا من الاستستهال في التعامل معها أو التفريط فيها.
الجريدة الرسمية