رئيس التحرير
عصام كامل

«فضيحة مركز شباب الجزيرة».. كواليس تحويل أرض الغلابة إلى «روتاري للأغنياء».. وأسرار تجاهل الملايين لعيون «ولاد الذوات».. وزير الرياضة ينسف قرار الرئيس الراحل جمال عبد الن



هل أصبح الشباب الفقير خارج حسابات الدولة، هل فعلا الدولة ستتعامل بمنطق "معاك قرش تسوى قرش"، تزاحمت في رأسي أسئلة ومناقشات كثيرة حول ما يتم الترتيب له الآن من فتح باب العضوية في مركز شباب الجزيرة والاتجاه لرفع سعر العضوية إلى 30 ألف جنيه بالتمام والكمال بعد الاتفاق مع أحد البنوك لتنفيذ هذا السيناريو.. هنا لابد من وقفة لأن مركز شباب الجزيرة حق للفقراء ولا يعنيهم إن كانت الدولة قد أنفقت على تطويره 370 مليون جنيه.


في أي بلد في العالم يتم رفع سعر العضوية من 450 جنيها إلى 30 ألف جنيه، الواقع أننى تواصلت مع العديد من وزراء الشباب والرياضة السابقين متعهم الله بالصحة والعافية وتناقشت معهم عن هذا التوجه الذي يذهب إليه المهندس خالد عبدالعزيز وزير الشباب والرياضة والحق أنه لا خلاف بينهم وأن كان جميعهم طلبوا عدم ذكر اسمه في الموضوع (مش ناقصين وجع دماغ على حد قولهم).

نعود لموضوع مركز شباب الجزيرة وحكايته من الأساس وهي أنه بعد قيام ثورة يوليو 1952 تلك الثورة التي انحازت للفقراء في كل شيء ورأت الدولة أن جزيرة الزمالك التي يقع فيها نادي الجزيرة المخصص لعلية القوم لابد أن يخصص منها جزء كبير للشباب، وفي 18 أبريل عام 1956 وافق جمال عبد الناصر رئيس مجلس الوزراء آنذاك على مذكرة قائد جناح عبداللطيف البغدادي وزير الشئون البلدية والقروية بشأن تخصيص 97 فدانا من الجزيرة للمنفعة العامة لتكون مركزا للنشاط الرياضي لجمهور الشعب ولتوسيع معهد التربية البدنية للبنات.

ومنذ هذا التاريخ وأصبح مركز شباب الجزيرة مفتوحا على مصراعيه لكل شباب مصر خاصة من المناطق الشعبية القريبة سواء في القاهرة أو الجيزة وتعاقب عليه الكثير من مجالس الإدارات، وكان هناك اتفاق بين الجميع على أن يبقى المركز مفتوحا لكل شباب مصر مقابل تذكرة دخول يكون سعرها زهيدا جدا وحتى وقت قريب كانت ملاليم.

أجيال عديدة تربت في هذا المركز وعلى ملاعبه الترابية دون تكلفة تذكر ولكن دوام الحال من المحال.. فبين عشية وضحاها رأت الدولة ممثلة في المهندس خالد عبدالعزيز أن تكون مثل الرجل الذي يمتلك قطعة الأرض ويريد استثمارها بإقامة ملعب نجيل صناعي يدر دخلا إضافيا له وتناسى الجميع أن الدولة لها دور أكبر من ذلك بكثير وأن تجارة الشباب ليس هدفها الربح في المقام الأول ولكن هناك أهداف كثيرة ليس من بينها الهدف الذي تبنته الوزارة.

وبعقلية الرجل الاستثماري أقنع الوزير الدولة ممثلة في المجلس العسكري آنذاك بضرورة تطوير مركز شباب الجزيرة، واعدا بأنه قادر على جمع كل التكاليف في عامين أو ثلاثة أعوام على أقصى تقدير، وكأن دور وزارة الشباب أصبح استثماريا أو أن مسماها تغير لوزارة الشباب والاستثمار.

وأنفقت الدولة قرابة الـ370 مليون جنيه، وبعد أن تحول مركز الشباب إلى أسطورة حان موعد الحصاد.. الحصاد يعني فرض رسم دخول على كل مواطن مقداره 15 جنيها في الأيام العادية، و20 جنيها أيام العطلات (الجمعة والسبت والأحد) وهنا يحضرني كلام الوزير السابق الذي قال لي إن هذا ليس له إلا معني واحد وهو أن فلسفة الدولة ونظرتها للشباب تغيرت، موضحا أنه عندما كان وزيرا وجد أن رسم الدخول 5 قروش فسأل مدير المركز كم يبلغ دخل التذاكر؟ فقال له 300 أو 400 جنيه، فقال له اجعل الدخول مجانا وستقوم الوزارة بدفع هذا المبلغ شهريا للمركز لأن الهدف هو فتح الباب لشباب مصر لممارسة الرياضة دون إضافة أي أعباء عليه.

لكن الآن الشاب أصبح مطالبا بدفع تذكرة دخول 20 جنيها أولا ثم تأجير الملعب بتكلفة لا تقل عن 100 جنيه في الساعة، وهو أمر مكلف جدا على الأسرة المصرية التي تعيش على حد الكفاف ويتساءل الوزير السابق ومن قال للمهندس خالد: إن شباب مصر عايز نجيل صناعي وعايز جاكوزي وعايز وعايز. 

وعندما وجد المهندس خالد عبدالعزيز أن الدخل ليس هو المتوقع بدأ التفكير في البحث عن وسيلة أخرى للدعم حتى لو كان من خلال فتح باب العضوية من جديد وتم اقتراح أن تكون 30 ألف جنيه وهنا لابد من وقفة.

العضويات في مركز شباب الجزيرة تصل لقرابة الـ 200 ألف عضوية ومع فتح العضوية ربما تصل لربع مليون عضو، وهنا تكون قد تحولت ملكية مركز شباب الجزيرة من ملكية عامة الشعب إلى ملكية أعضائه وهي الأرض التي صدر لها قرار تخصيص من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.

وهنا لابد من كلمة.. وهي أنه هناك من يفسر تصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسي على هواه عندما قال للوزير خالد عبدالعزيز (شوية) ردا على أن الوزير قال له: إن الدخل وصل 50 مليون جنيه، وأعتقد أن المهندس خالد عبدالعزيز أخذ هذا الكلام على أن الرئيس يطالب بزيادة الدخل حتى لو كان على حساب شباب مصر.

ويتساءل مرة أخرى أحد الوزراء السابقين، عن هدف المهندس خالد عبدالعزيز من خصخصة مراكز الشباب وتحويلها إلى مراكز استثمارية وتقوم بتأجير كافة الخدمات، ألم يكن من الأجدى له أن يطبق عمليات الخصخصة على الأندية وهي أرضها ملك للدولة أيضا.. إنما مراكز الشباب في كل أنحاء مصر اشتراكها السنوي لا يزيد عن 20 جنيها وأعظم مركز شباب في القاهرة اشتراكه 5000 جنيه؟! وهل من حق الدولة أن تحقق عائدا من اهتمامها بالشباب؟ أم أنه الفكر الجديد والمذهب الجديد.. وربما الاستثمار في مركز شباب الجزيرة على غرار موافقة الوزارة على إنشاء مصنع للمستلزمات الرياضية من نجيل صناعي وخلافه بعد أن تكبدت الدولة قرابة الـ2 مليار جنيه لتجهيز الملاعب في مراكز الشباب والأندية رغم أن عددا كبيرا منها غير مطابق للمواصفات.

نعم طورت الوزارة معظم الملاعب ولكنها أصبحت بمقابل وليست خدمة مجانية كما اعتدنا في سالف الزمان عندما كانت مراكز الشباب منارة للرياضة والتربية الدينية والاجتماعية والثقافية ونشاط الرحلات.. هكذا نشأنا في حضن الدولة مخصص لنا أياما للعب في مركز الشباب دون مقابل ونشارك في أنشطة الإدارة، أما الآن أصبح يسود مبدأ "اللي معاه قرش يسوى قرش"، وأعتقد أن الرئيس لم يكن يقصد ما فسره الوزير بأن الدخل مقدم على خدمة الشباب ولكن الاستثمار في الشباب أهم وأكثر.

وهنا لابد أن أتوقف عند عدة نقاط لابد أن يضعها الوزير نصب عينيه وهي أن كافة المؤشرات تؤكد أن وزارة الشباب والرياضة كل برامجها تعمل على خدمة قرابة الـ250 ألف شاب من أصل 25 مليون شاب في مصر، وأن شباب المؤتمرات ليس هو كل شباب مصر وليسوا هم الشريحة المتوسطة ولكنهم أبناء طبقة الكبار وهم الذين يرتدون أفخم الثياب للظهور بجانب الرئيس ليسوا هم كل شباب مصر .

أعتقد أن الدولة تدفع ميزانيات هائلة سنويا للشباب والرياضة ولكن الحقيقة أن المردود بطيء جدا ولا يتناسب مع ما تنفقه الدولة على هذه الأنشطة فضلا عن غياب أو حساب للمسئول المقصر.

الدولة أنفقت الملايين على بعثة مصر في أوليمبياد البرازيل 2016 وشابها عمليات إهدار للمال العام، ورغم ذلك لم يهتز جفن لأي مسئول لأن الجميع شرب "الشاي بالياسمين" بما فيهم الجهة التي كان من المفترض أن تراقب وهي لجنة الشباب بمجلس الشعب.. وتعود بي الذاكرة للوراء عندما فكرت الدولة في إقامة مشروع تجاري ضخم تحت أرض مركز شباب الجزيرة وكان هناك العديد من دراسات الجدوى والمشروع كان سيتم ولكن وقتها هاجت الدنيا لأن الأرض ملك الشعب وليست ملك الحكومة ثم أقلعت الحكومة عن الفكرة رغم أنها كانت ستوفر للدولة مليارات وليست ملايين ونفس الأمر في ستاد القاهرة عندما فكرت حكومة نظيف في خصخصة ستاد القاهرة بنظام الpot وتطور الأمر لعمل إعلانات في الصحف القومية عن مناقصة عامة للمشروع ثم صدر قرار رئاسي بعدم فتح هذا الموضوع مرة أخرى لأن ستاد القاهرة ملك الشعب وليس ملك الحكومة.

وسؤال آخر.. وبعد أن يفتح الوزير الباب لعضويات جديدة هل ستضمن الدولة السيطرة على مركز شباب الجزيرة؟... وتضمن لغير الأعضاء الدخول مقابل أجر رمزي يراعي الفئات المحدودة.. وهل يعلم الوزير أن أسرة فقيرة مكونة من خمسة أشخاص تحتاج لـ100 جنيه لدخول المركز، هذا ولم نقل إنهم لن يتناولوا شيئا داخل المركز المزعوم.

الحقيقة التي لم تعد تقبل المناقشة أن الدولة باعت ما لا تملك وهو مركز شباب الجزيرة لمن يدفع أكثر، وهنا يحضرني قول الوزير السابق: إن الفلوس التي أنفقها خالد عبدالعزيز على المركز جعلته أفضل من نادي الجزيرة الذي تبلغ عضويته قرابة الـ400 ألف جنيه وهنا لا مانع أن يترك الناس عضوية نادي الجزيرة من أجل مركز الشباب. 

حاولنا خلال الموضوع توضيح كافة الحقائق وللجميع حرية الرد حتى لو كان مخالفا في الرأي.

"نقلا عن العدد الورقي".
الجريدة الرسمية