رئيس التحرير
عصام كامل

«السنيدة في السينما».. محمود المليجي.. السنيد الطيب«1-7»


تخيل أفلام فريد شوقي بدون محمود المليجي، ثم تخيل مثلا فيلم "إسماعيل يس في الأسطول" بدون أداء المعلم "عباس الزفر"، وبعد أن تتخيل، حاول أن ترى ممثلا بديلا للمليجي، يمكن أن يقوم بشخصية "محمد أبو سويلم" في فيلم الأرض.


في هذه اللحظة فقط، سوف تعرف معنى كلمة "السنيد"؛ هذا اللفظ الإنساني العميق الذي أطلقته السينما المصرية على ممثلي ونجوم الدور الثاني.

محمود المليجي كان أحد هؤلاء "السنيدة"، عرفه الجمهور بأدوار الشر، لكنه أعطى لهذه الأدوار معنى وشحنة جديدة، بأدائه التلقائي المميز؛ فهو ممثل يؤدي دوره وهو "سايب إيده" كما يقولون، يدخل الشخصية ويخرج منها في نفس اللحظة، وهو ما جعله يشارك في 450 فيلما؛ أي شارك في 15% من إنتاج السينما المصرية كلها منذ نشأتها.

عندما سألوه لماذا كان يقبل بأدوار متواضعة في أفلام عديدة، قال: إنه يفضّل أن يصبح جنديا صغيرا في الميدان، عن أن يكون جنرالا متقاعدا خارج الخدمة يترفع عن العمل ويجلس في بيته حتى ينتظر دورا مثل دور "محمد أبو سويلم".

استطاع "المليجي" أن يصنع اسما من خلال الدور الثاني، حتى أصبح "سنيدا" لعدد كبير من الأعمال الفنية، فليس كل من قدم الأدوار الثانية سنيدا، إنما قلة، كان المليجي أبرزهم.

أما لماذا لم يصبح محمود المليجي نجم شباك؟، فالإجابة هي أن أحدا لا يعرف قانون النجومية، لكن من المؤكد أنها لا تعبر عن الموهبة أو التفرد في التمثيل، ومسألة أن يصبح الممثل نجم شباك ويقبله الجمهور كبطل، فهذه إرادة لا يعرف الجمهور نفسه مكمن سرها.

فـ"المليجي" في أوج نجوميته في أدواره الثانية، حاول أن يقدم نفسه بطلا لأول مرة، من خلال فيلم "المتهم" عام 1957، الذي أنتجه لنفسه، إلا أن الفيلم فشل فشلا كبيرا، رغم وجود مخرج كبير مثل كمال عطية، صاحب الفيلم الشهير "قنديل أم هاشم"، ورغم ظهور المليجي في شخصية جديدة لم يقدمها من قبل.

يحكي المخرج كمال عطية في مذكراته عن هذا الفيلم: "الجمهور ثار في وجهي بسبب هذا الفيلم، لأن المليجي قام بدور الدكتور البريء المتهم، دون أن يهد الدنيا ويضرب الجميع كما تعودوا أن يروه، فأنا أول من حولته من مجرم وشرير إلى طبيب وبريء".

ويسرد المخرج الراحل: "المليجي سألني قبل التصوير: كمال أنت متأكد إني هنجح في إقناع الجمهور بأني أمثّل دور بريء ومظلوم ويتعدم بسبب جريمة معملهاش؟ فقلتله ضاحكا: لو فشلنا يبقى الجمهور هو اللى فشل، وبعدين ده فيلم يموت ولا حد يفوت، ولو فشل، أرجع أعمل أدوار الشر زي ما أنت في نجاح، أما أنا هبقى ألاقي منتج يلحقني ويخليني أخرج تاني".

ويستكمل: "شخصية الفنان محمود المليجي تجلت لي من خلال عملي معه في هذا الفيلم، فعرفت تركيبته الذاتية، وعرفت أنه رجل طيب وحاد الطبع في نفس الوقت، ومقامر بكيانه الفني والمادي، للحصول على المستحيل من النجاح في ثقة وجرأة".

والذي لا يعرفه الجمهور أن محمود المليجي هو أستاذ فريد شوقي، وأن بدايات فريد شوقي، في السينما كانت من خلال لعب أدوار الشر وراء النجوم، وفى هذا التوقيت الذي ظهر فيه، كان "المليجي" هو نجم هذه المساحة، لكنه كان يرفض بعض الأدوار، فيضطر المنتجون إلى اللجوء لـ"شوقي"، ومن المواقف التي تكشف معدن المليجي الطيب، هو اتصاله دائما بفريد شوقي ليبلغه بأنه رفض الدور، ويطالبه بأن يرفع أجره، لأن المنتجين ليس لديهم بديلا غيره. 

وتدور الأيام، ويصبح فريد شوقي نجما كبيرا، ويقف أستاذه في ظهره فى معظم أفلامه.

بلغ تسامح "المليجي" ذروته، عندما سبق اسم نجوى إبراهيم، اسمه في تتر فيلم "الأرض"، لكنه كان يعلم أن التاريخ لا يذكر التترات ولا الأفيشات، بل يذكر الدور، الذي أصبح العلامة الوحيدة في هذا العمل الكبير. فالسنيد هو الذي يتعاطى بصدق مع العمل ودوره، ولا يضع اعتبارات لغير التمثيل وأدائه.
الجريدة الرسمية