رئيس التحرير
عصام كامل

مصالحات ديسمبر مع حقوق الإنسان


لو أن الرئيس عبد الفتاح السيسي أعاد قانون الجمعيات الأهلية للبرلمان، حسب أنباء ترددت بعد لقائه الشهري مع الشباب، ليقوم بتعديلات جديدة عليه تتفق وحرية العمل الأهلي مع ضمانات حماية "الأمن القومي"، بمفهومه المحدد غير الملتبس في التعامل مع الكيانات المدنية والحقوقية، لبات ذلك مؤشرًا على احتمالات قوية جديدة لحالة توافق وطني حقيقي حول المستقبل، بعد أن فقدت خارطة الطريق باستحقاقاتها "الانتخابية" رونقها.


الفرصة قائمة، إجرائيًا مع خطوة يتقدم بها الرئيس نحو علاقة جديدة مع قوة ناعمة داعمة لدور الدولة، المتراجع في دعم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالأخص، وتاريخيًا مع الاحتفال بمرور 68 عامًا على صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذي يمثل ميثاقًا أمميًا كتبه مصريون وعرب وغيرهم، يدعم حريات وحقوق ويؤكد عالميتها، ويخدم فكرة التعاون الدولي بشأنها.

لاحظ أن تقارير محلية ودولية بشأن انتخابات رئاسية وبرلمانية، سبقهما استفتاء على الدستور، بعد 30 يونيو 2013، شاركت في صياغتها منظمات مصرية، وبدعم جهات أجنبية ومشاركتها، ومباركة متابعتها من قبل اللجنة العليا للانتخابات والمجلس القومي لحقوق الإنسان، أكدت على حالة جديدة في مسار انتقال السلطة في مصر، بعد جدل ومقاطعة عالميين تبعا بيان 3 يوليو، لم تكن المنظمات الأهلية بعيدة عن تفسير ما حدث في مصر معه، كما لم تختصم جماعة الإخوان خلال فترة حكمها لمصر، إلا فيما يخص حالة حقوق الإنسان وحدها.

بطبيعة الحال، تفسر أحكام الدستورية العليا بشأن قرارات بقوانين اتخذت عقب 30 يونيو، ما وقع فيه نظام جمع لفترة بين سلطتي التشريع والتنفيذ، من أخطاء ترجمتها حكومات إلى انتهاكات، لا يليق بعدها التشدد في تصنيف وتقسيم المختلفين فكريًا وسياسيًا حول يناير ويونيو، بعد تمرير دستور يعترف بهما كثورتين لهما من التأثير في المستقبل ما يؤكد ضرورة الحديث عن أسباب للبناء والقبول بالكل دون استبعاد، وإلا ما كان لدستور مصر أن يعترف بكونها أحد الشركاء في الكون وعالمية حقوق سكانه، فيقر بالتزام الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي تصدق عليها.

هكذا تستطيع الرئاسة أن تبني فكرًا جديدًا في التعامل الإيجابي مع حقوق وحريات أساسية يقرها الإعلان العالمي، والدستور، والعهود والمواثيق ذات الصلة، ربما يفتح "ديسمبر" الباب معها إلى مصالحة حقيقية مع كيانات العمل الأهلي والحقوقي، بعد ملاحقات للقائمين عليها امتدت قبل يناير 2011،شهدت إساءات لهم وربط وخلط شديدين بين طبيعة عمل مؤسساتهم وأدوارها، وحراك الأحزاب والنقابات المهنية والجماعات السياسية على الأرض.

بالطبع لا اعتراف أو إمكانية بقبول حالة واقعية أو متقدمة لحقوق الإنسان كافة، دون محاربة فساد إداري ونهب للمال العام ورشوة، ولا أظن أن حكومة لا نعرف مع سياساتها الاقتصادية الحالية سعرًا مستقرًا لسلعة واحدة لبضع ساعات، يمكنها إنكار حقيقة أن الفساد بات ثقافة تدير علاقات أفراد وجهات ببعضهم، ولا تتحمل فاتورته إلا الفئات الأضعف، التي يترقب معها منادون بالقوانين المكملة للدستور إنجاز إنشاء هيئة وطنية لمكافحته.

ومن غير المتصور أن تلقى أحاديث حقوق الإنسان ومكافحة الفساد مصداقية في بلد يتحدث عن مستقبل، دون قوانين داعمة لسلطة الرقابة الشعبية، الصحافة، يصيغها أرباب المهنة ولا يحتكر تشريعها محابون لنظام ولو بأغلبية، كما لا يمكن الحديث عن حقوق مواطن وحرية عمل أهلي أو صحفي، دون قانون جاد لضمان حرية وإتاحة وتداول المعلومات والوصول إليها، تتم من خلاله ممارسات ديمقراطية سليمة تقدم للحاكم ومعاونيه رؤية مكملة للواقع المجتمعي والسياسي.

إن تصنيف مصر بين الدول الأكثر فسادًا أو تغييبًا للديمقراطية، وتصنيف حكومتها كمعادية للحريات، وبينها حرية العمل الأهلي وحرية الصحافة، يمكن أن يتقدم خطوات للأمام بقرارات وإجراءات لا نحتاج معها إلى مزايدات، أو قضاء سنوات جديدة في إيداع جدد داخل سجون تطلب جدرانها الحرية لأبرياء، فتغييب المصالحة مع "الحريات" يضرب مشروعية وشرعية أي حكم في مقتل.
الجريدة الرسمية