رئيس التحرير
عصام كامل

النظام وأرباب المصلحة


أصبح التشكيك في الوطنية والانتماء أسهل الطرق في مواجهة الشاكين، بعد اختفاء المعارضين، وغياب الإصلاحيين، واختفاء ساسة الإنقاذ، دون حساب لما يمكن أن تذهب إليه حالة الحوار المفقود تباعًا بين أرباب 30 يونيو، منذ انتهاء قسمة خارطة الطريق باستحقاق سياسي لم يدعم مثيليه الاقتصادي والاجتماعي، هو انتخاب مجلس النواب.


المشاهد الأقوى حضورًا والأكبر دلالة، تؤكد أن المصلحة المكتسبة من تسجيل مواقف مغايرة لمنطق رد الفعل المقبول تجاه أحداث وتفاصيل متلاحقة، هي التي تعزز الرابط بين أصحابها المتطوعين ومجموعة الحكم بدرجاتها المتباينة قربًا من النظام، يحضر منها مزايدات رخيصة على شخصية الدكتورة منى مينا، تلتها ملاحقات قضائية لها، عقب تحريف متعمد لتصريحات كررت مرارًا مضمونها الحقيقي.

العقاب طال جوانب مضيئة في شخصية "مينا" التي تمثل أمام جهات التحقيق، دون أن ينتبه كثيرون لخطورة وأد أصحاب صرخات الضمير الباكي على أحوال تزداد سوءًا في قطاعات مختلفة وعلى كل الأصعدة، ليس أكبرها منظومة الرعاية الصحية.

مسئولون ينضمون إلى قائمة أصحاب عقلية "المصلحة" الحاضرة بطريقة "اضرب ولاقي"، يعلقون على فيديو سائق التوك توك بطريقة تليق بسرعة عجلة إنتاجهم الفكري والعقلي، تتطور إلى مشهد "إخلاص نظامي" أكبر مما تتوقع مع مواطن بسيط يتلقى اتهامًا من محافظ بأنه "إخواني"، لمجرد تقديم شكواه له بشأن غياب دور الحكومة في الرقابة على الأسواق، وما ترتب عليه من وصول سعر كيلو السكر لأثمان مبالغ فيها لدى تجار وبائعين يعرفون من أين تؤكل الكتف.

راجع ملامح وجه المحافظ إياه لتتأكد أنك أمام مسئول بمواصفات عضو لجان إلكترونية أشد إخلاصًا لنظامه ومصلحته وأصلب في الدفاع عنهما بأسلوب الإنكار والإقصاء والهجوم على غير قوانين الحوار والمسئولية، ثم تابع الهجمة المرتدة للمحيطين به على المواطن البسيط وحصاره في المربع "صفر" بإجابات لا علاقة لها بشكواه.

الأمر بحذافيره ينطبق على انتفاء أسباب الأزمة في منطقة "مصلحة" لا يدركها سوى أصحاب القرار، فلا عجب أن تجد المجتهدين في البحث عن السكر لأسابيع أمام أسعار فلكية لحلوى المولد النبوي تناسب مستوى دخول تجار الكيف، بعد رفع السعر الرسمي للسلعة الأساسية، ولا فكاهة في تدمير قيمة الجنيه مجددًا أمام إعفاءات جمركية لسلعة غذائية، "الدجاج المجمد" مثلًا، مقابل إهدار فرص استعادة القطاع الداجني حيويته بتسهيلات بسيطة لا تكلف الحكومة الكثير دعمًا لصناعة تستر مئات الآلاف وتمنع تشريدهم، بعد تعويم الجنيه.

فكرة "المصلحة" أصبحت الرابط المشترك بين البرلمان والحكومة في التعامل مع الحقوق والحريات عبر منظومة التشريع، والرقابة أيضًا، فلا ملفات تنتهى عملية التقصي النيابي بشأنها إلى نتائج واضحة يمكن أن تُقدم للرأي العام، ولا تشريعات أو تعديلات على قوانين مثيرة للجدل تأتي بما يعالج أزمات تعانيها المجتمعات منذ عقود، نظرة متأملة لموافقات على قوانين الهجرة غير الشرعية، القيمة المضافة، بناء الكنائس وأخيرًا الجمعيات الأهلية، تفسر لك ما يدور بعقل نائب حصل لنجله على امتياز بإهدار لمبدأ تكافؤ الفرص ليدخله كلية الشرطة مثلًا.

هناك تيار نادي بفكرة بناء ظهير نيابي للرئيس، بعد طرح انتخابه مطلع 2014، يدعم حكمه ويعزز وجوده أمام الرأي العام العالمي في مواجهة جماعة الإخوان المتربصة بأرباب 30 يونيو، لكن لم يعد هذا الظهير شعبيًا بمرور الوقت، أو لم يكن كذلك منذ قرر النظام بجناحيه، الحكومة والبرلمان، الأخذ بمبدأ "المصلحة"، أو قل "المنفعة"، المبني على إنكار وجود الآخر المخالف، وتجاهل الأزمة، وهو أقل ما يرتبط بفترة انتقالية تاريخية ممتدة في مصر، تشهد فرزًا، أو قُل مقصلة، لأصحاب الضمائر، كما تشهد حالة من اللاسياسة تنقلنا من مرحلة الإحباط لتلقي بنا في مستنقع اللامبالاة.
الجريدة الرسمية