رئيس التحرير
عصام كامل

ليته سكت!


في الأيام الأخيرة اتضح جليا أن كثير من المعانى التي من المفترض أن تكون ثابتة بل وراسخة عند كل منا لم تعد تحمل نفس المعنى عند جميع المصريين بل قد تحمل معنى عند بعضهم وضده عند فريق آخر!


الدولة: الدولة هي مجموعة من البشر "شعب" يعيش على أرض لها حدود معلومة"وطن".. وفى مرحلة لاحقة قد يكون لهذا الشعب نظام أساسى للحياة في هذا الوطن "دستور" يحدد كيفية قيام واختصاصات مؤسسات تعمل لخدمة الشعب "أجهزة الدولة".

الحكومة: مجموعة يختارها الشعب بطريق مباشر أو غير مباشر لإدارة مؤسساته والإشراف على مؤسساته لفترة معينة بشرط الإلتزام بالدستور وبالوعود التي قطعتها الحكومة على نفسها لتنال ثقة الشعب "البرنامج".

الوزير: هو مسئول سياسي عن ملف (حقيبة وزارية) أو أكثر يقوم بتنفيذ سياسة وبرنامج الحكومة عن طريق التواصل مع أجهزة الدولة المعنية والتنسيق بينها ومحاولة توفير التمويل اللازم لكل منها.

البرلمان: هو ممثل الشعب في الموافقة على اختيار الحكومة بناءً على برنامج حقيقى وواقعى قابل للتنفيذ طبقا لخطة زمنية ومصادر تمويل كافية والرقابة على تنفيذ الحكومة لتعهداتها واحترامها للدستور والموافقة على خطط أجهزة الدولة ومحاسبتها ومن ثم تشريع القوانين اللازمة لذلك.

شعرت أني لا بد أن أكتب هذا لنتفق على تلك المعانى مما رأيته في الأيام القليلة الماضية من متناقضات وضعتني في حيرة من كل شيء. كنت أراجع حيثيات حكم المحكمة الإدارية برفض استشكال الحكومة على حكم بطلان اتفاقية ترسيم الحدود مع المملكة العربية السعودية التي تتضمن مأساة التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير اللتين لم تمسهما طوال تاريخهما سوى أقدام مصرية بذلت الدم والروح للحفاظ على السيادة المصرية عليهما...

المهم جاء في تلك الحيثيات رفض طلب رئيس مجلس النواب التضامن مع محامى الحكومة المسمى هيئة قضايا الدولة، فقد عرفنا أن رأى الدولة هو الدستور والقانون وهذا يختلف عن سياسة الحكومة أو سياسة المسئولين التنفيذيين الذين يديرون بعض المؤسسات في فترة من الفترات ولا يمكن أن نعتبر أن مسئولا خالف القانون أو خالف الدستور يمثل رأى الدولة...

المهم في الموضوع أن رئيس مجلس النواب أراد أن يتضامن مع الحكومة ضد الطاعنين من المواطنين رغم أن الموضوع لم يناقش في مجلس النواب من الأساس ورغم ما يحمل تضامنه مع رأى الحكومة دون نقاش من معانى... وقد يقول البعض إنه تضامن بشكل شخصى كمواطن وعندها تكون كارثة أن رئيس مجلس النواب الأستاذ في القانون يتضامن مع الحكومة في حكم هو ليس طرفا فيه أي أنه تضامن سياسي وليس قانونيا لتأتى حيثيات الحكم برفض هذا التضامن نظرا لعدم أحقية سيادته قانونا في ذلك.

المشهد الثانى كان في تصريحات وزارة الصحة على لسان متحدثها الرسمى ردا على الأزمة الناتجة عن نقص المستلزمات الطبية والتي أدت إلى توقف بعض أنواع الجراحات تماما في بعض التخصصات ويهدد جراحات أخرى بالتوقف في المدى القريب والنقص الشديد في المخزون الاستراتيجى من المستلزمات المستوردة والذي نجم عن سوء بالغ في إدارة هذا الملف إضافة إلى تغيرات سعر الصرف قبل وبعد تعويم الجنيه.

الأزمة التي تسببت فيها وزارة الصحة نفسها بالتغيير المفاجئ في نظام التوريدات إلى مناقصة مجمعة ورغم أن الشراء المجمع في حد ذاته لا غبار عليه إلا أن إجراء تلك المناقصة في الخارج والشراء بالدولار وعدم مشاركة الأجهزة الرقابية المعنية ثم التعاقد مع شركة واحدة في كل نوع من المستلزمات وعدم احتساب التكاليف الأخرى كالجمارك والضرائب والأرضيات، وغير ذلك أدى إلى مشكلات بالجملة وجاء قيام وزارة الصحة بالشراء رغم أنها هي نفسها المنوط بها الرقابة على صلاحية وجودة كل الواردات الخاصة بالصحة ليحمل تضاربا واضحا في المصالح يهدد صحة الوطن وهو ما نعيشه الآن بعد أن حذرنا منه كثيرا منذ شهور.

الغريب والصادم أن يعلن المتحدث باسم الوزير أن الوزارة غير مسئولة عن الخطر الداهم الذي يتعرض له المصريون الآن وأن مسئوليتها تنحصر في توفير المستلزمات للمستشفيات التابعة للوزارة!

ثم يزيد القصيدة من الشعر بيتا عندما يدعى أن مخازن الوزارة مليئة بالمستلزمات والتي تكفى لعامين على الأقل ثم وصلة من المزايدات السياسية غير الحقيقية حول توفير المليارات. وقد وصل بعض الوزراء إلى هذه المرحلة بعد أن أمنوا من المحاسبة والرقابة وأصبحوا مجرد موظفين لا نعرف حتى أسماء معظمهم ويبقى الكثير منهم في دائرة أهل الثقة عديمى الكفاءة إلا من رحم ربى.

ولا ننسى دور البرلمان السلبى في كل هذا.. البرلمان الذي فقد هيبته ودوره بعد تصريحات متكررة لرئيسه أنه في حالة وفاق مع الحكومة– رغم انها ليست حكومة حزبية أو حكومة أغلبية برلمانية – ونراه في جلسات الاستماع القليلة لعرض برنامج الحكومة يمنع أعضاء البرلمان من مناقشة رئيس الحكومة أو الوزراء وبطريقة لا تليق أحيانا..

البرلمان الذي لم يستجوب أي وزير حتى الآن حتى بعد حدوث كوارث محققة كتسريب امتحانات الثانوية العامة وأزمة زيادة أسعار الدواء دون إصدار قوائم بالأسعار أو نظام للرقابة ثم أزمة ألبان الأطفال ثم أزمة المستلزمات الطبية والأدوية والمحاليل الحالية والذي نراه في معظم الأحيان في مناقشاته منفصلا عن الواقع والأزمات التي نعيشها هربا من مساءلة الحكومة.

ثم نقرأ على صفحات الصحف وشبكات التواصل الاجتماعى من يعتبر الحكومة هي الدولة وأن أي انتقاد له هو وقوف ضد الدولة بينما الحقيقة أن الحكومة بمخالفتها للدستور والقوانين وتخليها عن تعهداتها ومسئوليتها هي التي تهدم قواعد الدولة بينما يقبع البرلمان على مرمى البصر لا ينبس ببنت شفه وإن تكلم... قلنا ليته سكت!
الجريدة الرسمية