رئيس التحرير
عصام كامل

ماذا لو أصبح «دولار السوداء» أقل من السعر الرسمي؟!


سؤال يطرح نفسه في سابقة تاريخية وهي انخفاض قيمة الدولار أمام الجنيه بطريقة مفزعة دون أن يضخ البنك المركزي أي دولار من الاحتياطي النقدي فيما يسمى التعويم الحر لأنه جرى العرف في مصر أن يكون تعويما مدارًا على مر التاريخ وهذا ما لم يحدث حتى اليوم 6 نوفمبر فلقد انخفض سعر الدولار دون ضخ وإن كنت متوقعًا أن يتم الضخ الدولاري.. وتطرح المعضلة نفسها ماذا إذا انخفض سعر السوق السوداء إلى أقل من 12 جنيها ماذا سيكون رد فعل البنك المركزي وهل سيستغل ذلك لرفع قيمة الجنيه لمرحلة مؤقتة؟


إن البنك المركزي يدرك أن تقييم المؤسسات الاقتصادية العالمية الذي يتراوح من ١١: ١٣ جنيها للدولار ولكن من اشتروا الدولار بـــ ١٨ جنيها سيشكلون قوة مقاومة رهيبة لن تنام ولن تبيع أقل من ١٥ جنيها معتمدين بحجتهم بعدم وجود صادرات توازي الواردات كما يعد ملعب تجارة الذهب والسيارات ملعبا خلفيا لتجارة العملة ومقاومة انخفاضها مما سيشكل ارتفاعا مستمرا للدولار حتى لو استقر مرحليا، ولكن يمكن أن ينخفض سعر السوق السوداء لمستويات أدنى مرحليا ولن يتحقق ذلك إلا إذا صدر قانون يمنع البنوك عن قبول الإيداعات الدولارية مجهولة المصدر( دون فاتورة) فإن الحصول على فاتورة سيتطلب دفع نسبة من المبلغ لا تقل عن عشرة في المائة ستكون أشبه بغسيل أموال غير قانوني ولكنها ستكون كفيلة بعقاب المواطنين عن اكتناز الدولار خاصة مع ارتفاع سعر الفائدة على الجنيه المصري إلى ٢٠٪‏ وسيتم تقليص السوق السوداء عدا التعاملات غير الشرعية كالمخدرات والتهريب وتمويل الإرهاب..

ولكني أنصح ألا تفرح الحكومة بانهيار سعر السوق السوداء مرحليا، ويجب أن يكون السعر الجديد للجنيه معتدلا لكل الأطراف ليحقق مكتسبات نحو التنمية الاقتصادية المستدامة التي تحقق الفائدة لكل الأطراف وألا يظل حائزي الدولار أداة لمقاومة السعر الجديد بل يجب أن يتم احتواؤهم بإيجاد أطروحات من القطاع المصرفي قد تمثل شراء أسهم أو سندات دولارية بالسعر الرسمي، ولكن مع إيجاد محافظ استثمارية تحقق عائدا مضمونا لا يقل عن ٦٪‏ ليقضي على المعركة الاقتصادية بين حائزي الدولار والدولة.

عموما لا أجزم أن نصل إلى هذا الطرح إلا إذا أدير التعويم باحترافية من جانب الحكومة والبنك المركزي ومارس البرلمان دوره الرقابي بل إنه سيعد أول نجاح حقيقي لهم أمام الشعب المصري.

أعتقد أن الهدف ليس رفع قيمة الجنيه نظريا وإنما الوصول إلى سعر دولاري مستقر لمدة لا تقل عن ثمانية أشهر ( لجذب الاستثمارات) يمنح الصادرات المصرية ميزة تنافسية أيضًا تحجيم النمط الاستهلاكي من الاستيراد المفرط بما يحقق توازي الصادرات والواردات بدرجة مطمئنة، لذا أنصح بسعر قادر على احتواء أصل المشكلة حتى لو تم القضاء على ظاهرة تحول الدولار إلى سلعة تجارية ويجب التوجه لتحفيز الصناعات التصديرية.

هناك ملاحظة فريدة ألا وهي أن انخفاض السعر قبل الضخ الرسمي يعني أن بالونة سعر الدولار وهمية لأن المكتنزين ليسوا أصحاب احتياج فعلي وقد تعاملوا مع العملة كسلعة وهذا ضد طبيعتها خاصة أنني أرى أن الاقتصاد المصري ليس بالضعف الذي يشاع من مكتنزي العملة فلو تحدثنا عن انهيار قطاع السياحة كمثال، حيث إنه مصدر رئيسي للدخل القومي ولكن هناك مقومات وأصول ثابتة مثل المطار والآثار والقرى السياحية والشواطئ وليس هناك على مستوى العالم من لا يحلم بزيارة مصر، ولكن قد تكون الظروف غير مواتية ولكنه سيفعلها في حين، وبالتالي فهناك سوق واعدة وأشد دليل على قوة هذه المقومات أن قيمة بيع المنشآت السياحية اليوم في شرم الشيخ لا تقل عن ٦٠٪‏ من قيمتها السوقية لتأكيد فكرة عودة السياحة عاجلا أم أجلا... هذه هي مصر مقومات رائعة لا يمكن إغفالها ولكنها تعاني من أزمة إدارة أزمة.

نهاية سيرتفع سعر الجنيه حتما ولكن ليس هذا هو الهدف وانما الهدف دفع التنمية الاقتصادية المستدامة وبعد حل أزمة تحول العملة إلى سلعة سيواجهنا شبح التضخم ( بسبب الفائدة البنكية المرتفعة ) والركود والرقابة على الأسعار التي ارتفعت ولم تنخفض وكأنها تتحدى السعر الرسمي وخاصة تجارة الذهب والسيارات مما يمثل خطرا اجتماعيا والتحدي الأكبر في جذب الاستثمارات الأجنبية من خلال سعر ثابت موحد للجنيه أمام الدولار، وهذا هو دور الحكومة واللجنة الاقتصادية في البرلمان وأعتقد أنهم يدركون أن هذا هو الاختبار الحقيقي أمام الشعب.

كلمة أخيرة لمن يكتنزون الدولار أو يبثون أخبارًا تشاؤمية ضد الاقتصاد المصري مستغلين رفع سعر الوقود لقد أصبح بقاء العملة المصرية ومن خلفها الدولة مرهونا بتجارة غير شرعية تحمل روحًا عدائية والأزمة أكبر مما ترونها لأنها خراب للوطن.
الجريدة الرسمية