رئيس التحرير
عصام كامل

السيول بين النعمة والنقمة!


حتى كتابة هذه السطور ما زال هناك بعض أهالينا في الصعيد مفقودين تحت مياه السيول التي دمرت منازلهم وحياتهم، وحتى نكون صرحاء مع أنفسنا يجب الاعتراف بأنها لن تكون الكارثة الأخيرة، بل سوف تتكرر بسبب عدم وجود رؤية واضحة للتعامل مع هذه الأزمة أو غيرها من الأزمات..


فما زالت سياسية رد الفعل هي الحاكمة في كل أمور حياتنا، ومعلوماتي أن لدى مجلس الوزراء خريطة كاملة للسيول في جميع المحافظات وأن رئيس الجمهورية سبق وخصص مليار جنيه لهذا الشأن بعد غرق محافظتي الإسكندرية والبحيرة العام الماضي، ولكن لم يتم الاستفادة من هذا المبلغ..

السيول في معظم دول العالم نعمة وهناك دول استفادت منها مثل (السعودية) وبخبراء مصريين، لتحقيق الاكتفاء الذاتي من بعض المحاصيل، ولكن في مصر السيول نقمة وموت وخراب ديار، أنا شخصيا كنت شاهدا على تجربة واقعية في كيفية التعامل العلمي مع أزمة السيول، حينما كان د سعد الجيوشي رئيسا للهيئة العامة للطرق والكباري، حيث عقد خمس ورش عمل لمواجهة السيول وكيفية الاستفادة من مياهها، وقام بدعوة كل الجهات المعنية بالموضوع مثل وزارتي الزراعة والري وهيئة الأرصاد الجوية وممثلين من المحافظات التي تتعرض للسيول وأيضا ممثلين عن البدو (قبيلة الترابين) الذين يتعاملون بحرفية مع مياه الأمطار والسيول بتجميعها في خزانات لاستخدامها طوال العام في الشرب والزراعة والرعي..

كما كان هناك تواصل مع أصحاب القرى السياحية لعدم البناء على مخرات السيول، وخرجت الورش بتوصيات مهمة أكلتها الفئران في الأدراج مثلما يحدث في كل المؤتمرات والندوات وورش العمل، حيث لا يستفاد بتوصياتها واللاحق يهدم ما فعله السابق.

وبعد أن أصبح د. سعد الجيوشي وزيرا للنقل عقد بروتوكول تعاون مع د. أحمد عبد العال رئيس هيئة الأرصاد الجوية، لإخطار وزارة النقل بحالة الأمطار والسيول قبل حدوثها بثلاثة أيام على الأقل وكان هناك استعداد دائم بغلق الطرق المتوقع تعرضها للسيول بالتعاون مع الإدارة العامة للمرور، ثم تجهيز معدات هيئة الطرق والكباري بالقرب من مناطق السيول لكسح المياه والرمال وإزالة آثارها فورا، وبالتالي لم تحدث أي حالة إصابة واحدة أو أضرار على الطرق التابعة لوزارة النقل (عكس الطرق التابعة للمحليات التي تنهار وتغرق في شبر ميه).

وحينما كنت مستشارا إعلاميا ومتحدثا رسميا للوزارة أصدرت 21 بيانا إعلاميا لمتابعة حالة السيول والأمطار لحظة بلحظة وكذلك توعية المواطنين بالطرق المغلقة وحالة وسائل النقل والموانئ..

تلك هي الاحترافية في إدارة الأزمات وهي الاستعداد لها قبل حدوثها والوقاية منها وتخفيف آثارها فالوقاية أفضل وأرخص من العلاج مع توعية المواطنين، هذه الاحترافية يفتقدها الآن معظم من يجلسون في مناصبهم وهم الذين يتحملون دماء الأبرياء الذين فقدوا حياتهم وممتلكاتهم بلا ذنب بسبب السيول..

هناك إحصائيات متباينة حول كميات المياه التي تهبط على مصر من الأمطار والسيول منهم من يقول إنها تساوي حصتنا من نهر النيل( 55 مليارا) حتى لو كان هذا الرقم كبير ومبالغ فيه فهناك كمية مياه كبيرة ينعم بها المولى تبارك وتعالى علينا من السيول ولا نعرف كيف نستفيد منها وتذهب إلى المجاري ليس هذا فقط بل وتدمر الأخضر واليابس..

الاختيار الجيد للكفاءات مع التخطيط والإدارة العلمية والإخلاص في العمل أهم أسباب تقدم الدول.. أما العشوائية وتسيير الأمور يوم بيوم يؤدي إلى مزيد من الكوارث في كل مجالات الحياة.. واللهم احفظ مصر. 
egypt1967@yahoo.com
الجريدة الرسمية