رئيس التحرير
عصام كامل

العائدون من «جحيم الإخوان».. «الداخلية» تنفذ خطة «الناجون» للمراجعات الفكرية داخل السجون.. الشباب الفئة الأولى المستهدفة من خطة «المراجعات».. وصراع الجبهات داخل

وزارة الداخلية
وزارة الداخلية

المراجعات الفكرية.. ملف شائك بدأ وضع أول الأوراق به منذ ثمانينيات القرن الماضى، وخلال السنوات الماضية لعبت وزارة الداخلية دورا كبيرا في إعادة تصحيح المفاهيم الخاطئة لدى معتنقى الفكر الجهادى والتكفيرى، واستمر هذا الدور ثم اختفى بضع سنوات، وعاد للظهور بقوة في أعقاب ثورة 30 يونيو 2013 والإطاحة بنظام الحكم الإخوانى، عندما ارتكب عناصر من الجهاديين وتنظيم الإخوان الإرهابى، أبشع الجرائم بقتل رجال الشرطة والجيش والقضاة، وتنفيذ عمليات إرهابية ضد المنشآت والمواطنين، خلفت مئات القتلى والجرحى بعضهم ذهب لمثواه الأخير، وآخرون مازالوا يعالجون من جراء هذه الجرائم.


وزارة الداخلية من جانبها تبذل دورًا ملموسًا في هذا الملف لمحاولة تصحيح المفاهيم الخاطئة للمحبوسين داخل السجون، وقد روى أحد المفرج عنهم حديثًا من السجون، تفاصيل ما دار داخل الغرف المغلقة بالسجون حول المراجعات الفكرية... قائلا: «في البداية كان يتم تجميع مجموعات منا من مختلف السجون على مستوى الجمهورية، ويتم وضعنا داخل غرف انفرادية، ونلتقى أحد الضباط الذي يجلس لمدة ساعة، ويقوم بالاستجواب والمناقشة حول أسباب القبض على كل واحد منا، وعن حالته الاجتماعية وعلاقته بجماعة الإخوان، وأسباب الانضمام، ولماذا اتجه في طريق العنف واستباحة الدماء، ثم نلتقى بعد ذلك أحد المشايخ التابعين لوزارة الأوقاف، ويكون معه ضابطان، ونكون من 6 لـ10 أشخاص في الجلسة الواحدة، لتوضيح المفاهيم الخاطئة عن الإسلام، والتحريفات بارتكاب أبشع الجرائم وقتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق.. والعمل على تصويبها مع صحيح الدين.

وأوضح المفرج عنه « م.ع» ــــ رفضا الإفصاح عن هويته ـــ بأنه في أولى جلسات الاستماع يكون رد فعل الإخوانيين غضب تام ورفض لكل ما يقال لهم.. قائلين: «لن نتخلى عن قادتنا وأفكارنا صحيحة وأنتم المخطئون... وسنظل على العهد... وغيرها من الكلمات».. بعدها تسود حالة من الهرج الغرفة، يعقبه قيام قوات الأمن بإرجاع المحبوسين إلى عنابر حبسهم، وحضور كل شخص بمفرده للسيطرة على الموقف.

وأشار إلى أنه في المرة التالية يحضر الشيخ لإلقاء المحاضرة على السجين فتحدث استجابة، من شخص أو اثنين من ضمن مجموعة استمر الحوار معهم لمدة شهر كامل... وفى نهاية الشهر تعقد محاضرة يحضر فيها جميع من استجابوا، ويطلب منهم توقيع إقرارات على أنفسهم بالتوبة من المفاهيم المغلوطة لديهم.

وأكد أن تراجع بعض الشباب عن أفكارهم يرجع إلى حالة الانقسام السائد بين جناحى الجماعة والإخوان.. جبهة محمود عزت القائم بأعمال المرشد العام، وجبهة محمد كمال مؤسس لجان العمليات النوعية التي انتهت بمقتله مطلع أكتوبر الجارى، بعد اشتباكه مع قوات الأمن بمنطقة البساتين، بسبب الصراع على قيادة الجماعة، فضلًا عن توقف عمليات إرسال أموال شهرية إلى أسر المحبوسين داخل السجون، وتحمل أسرهم نفقات حياتهم اليومية، وكذلك ذويهم المحبوسين مايدفعهم إلى تغيير آرائهم.. فضلًا عن الجلسات المستمرة لشيوخ الأوقاف الخاصة بتصحيح المفاهيم بالأحاديث والقرآن الكريم، كل ذلك يدفع بعض المحبوسين للتراجع عن توجهاتهم والمطالبة بتقديم إقرارات توبة.

من جانبه قال مصدر أمني مطلع، إنه في إطار اضطلاع الأجهزة الأمنية بوزارة الداخلية بالمهام الموكلة إليها، وحرصًا على مستقبل أبناء الوطن وحقنًا للدماء وتصحيح المفاهيم، استهدفت خطة «الناجون» تصحيح المفاهيم الخاطئة، عن الدين الإسلامى وأنه دين السماحة والحب والسلام ولم يقم على مبدأ العنف.

وأوضح المصدر أنخطة «الناجون» يتم تقسيمها إلى فئات ومراحل... الفئة الأولى: الشباب والذين تم التغرير بهم، واستغلال الحماس الدينى لديهم بعد بث شحنات عدائية ضد الدولة والمسئولين والمفاهيم الخاطئة وتتراوح أعمارهم من 19 لـ 35 عامًا.

الفئة الثانية: استهدفت الأشخاص من 35 لـ 60 عامًا ممن لم تلوث أياديهم بالدماء. 

الفئة الثالثة: كبار قيادات جماعة الإخوان. 

الفئة الرابعة: الذين ينتمون إلى الفكر التفكيرى والداعشى، واستباحوا الدماء، وارتكبوا أبشع الجرائم في حق المواطنين والمسئولين، وهؤلاء يكون لهم معاملة خاصة نظرًا لتشبعهم بالفكر الخاطئ، وصلابة رءوسهم في المناقشة، مشيرا إلى أن عددا قليلا استجاب للمراجعات الفكرية، ووقع على إقرارات توبة عن المفاهيم الخاطئة.

واستطرد المصدر قائلا: «هناك أشخاص ليسوا محبوسين قاموا بالتوقيع على قرارات توبة، وتقديمها في بعض الأقسام الشرطية، كما قام بعض الشباب المحبوسين داخل السجون بتوقيع إقرارات التوبة وبلغوا قرابة 2741 شخصًا، حيث لم يتم إجراء إحصائيات عن مقدمين الإقرارات لأن ذلك ليس إلزاميًا عليهم، مشيرًا إلى أن الصادر ضدهم أحكام داخل السجون إذا وقعوا على إقرارات التوبة لن يتم الإفراج عنهم، لأن قرارات حبسهم صادرة من النيابة العامة والمحكمة المختصة صاحبة قرار الإفراج عنهم في ضوء أوراق القضية».

وفى سياق متصل قال اللواء محسن حفظى، مساعد وزير الداخلية لقطاع أمن الجيزة الأسبق: المراجعات الفكرية التي تجريها الأجهزة الأمنية يكون مرودها قليلا، حيث لا بد من تكاتف كافة أجهزة الدولة بأكملها في حل هذا المعضلة، كما أن المشكلة تقع في القواعد الإخوانية، فالقيادات هم الرابحون أما القواعد فمحبطون وسقطوا فريسة سهلة للفقر واستغلهم قيادات الإخوان، وزرعوا داخلهم عقيدة الحقد والكراهية ضد أجهزة الدولة والشرطة، قائلين إن العمل في الحكومة حرام، على أساس أن أموال الحكومة من البنوك، وتأتى من الربا، لذا يرفضون العمل ويفضلون التجارة بالعطور والبخور والمحال».

وأوضح مساعد وزير الداخلية أنه في أثناء عمله بالوزارة وانتشار الفكر المتطرف، كان يتم جمع السجناء المتطرفين والجماعات الجهاديين من السجون، وإحضار 3 من شيوخ الأزهر الشريف والتوجه إلى التليفزيون وعقد ندوة تثقيفية تبث مباشرة لتصحيح المفاهيم الخاطئة، للسجناء وكذلك المواطنين الذين يشاهدونهم وعدم الوقوع في أخطاء المحبوسين.

مساعد وزير الداخلية، تابع قائلا: المشكلة الحقيقية تتمثل في أن المحبوسين لا يتراجعون عن أفكارهم ليس حبًا في الجماعة، ولكن للحصول على أموال تكفى للفرد وأسرته ومسكن يأويه، فمعظم السجناء تكون حالتهم المالية سيئة جدًا، فالفقر يولد الكراهية... وينتج في النهاية فكرا تكفيريا... وأثناء تولى اللواء حسن أبو باشا وزارة للداخلية، سألنى هل هناك سجين سياسي يحتاج إلى المساعدة، فقلت له هناك دكتور من المنيا يعتنق الفكر التكفيرى، وتم إجراء مراجعات فكرية وتصويب أفكاره الخطأ.. فقمنا بتوفير عقد عمل له في إحدى دول الخليج، فعاد بعد عامين وزوجته محجبة وليست منقبة، وكذلك هو يرتدى بدل وكرافتة، وليس كما كان يرتدى جلبابا قصيرا... ولهذا أقول أنه حال توافر فرص عمل وحياة كريمة ومراجعات فكرية يمكن القضاء على الفكر التعصبى والتكفيرى لدى تنظيم الإخوان الإرهابى. ولا بد من تكاتف أجهزة الدولة مع الداخلية في تحقيق الهدف المرجو... أما الذي يحدث حاليا فكل شيء في اتجاه دون توحيد الرؤى.

من جانبه قال أمل عبد الوهاب، الباحث في شئون الحركات الإسلامية: المراجعات التي تقدمها وزارة الأوقاف بالتعاون مع الداخلية لن تجني ثمارها إلا من الناحية الشكلية والإعلامية فقط، ونحن أول من قدم هذه المراجعات إلا أن خوف الأمن من التعامل مع القيادات السابقة للتنظيمات الإسلامية مع الإعلام، جعلها ترفض المراجعات التي نقدمها إلا من خلال الأوقاف باعتبارها مؤسسة دينية مشروعة، مع الأخذ في الاعتبار أن الشباب يتعامل مع هؤلاء على أنهم موظفون يتلقون تعليماتهم من الأجهزة الأمنية، لذلك فهذه المراجعات تفتقد المصداقية بخلاف المراجعات التي قدمناها والتي اعتمد عليها الأزهر والأوقاف، فكان أولى الاستعانة بالقيادات السابقة لتلك التنظيمات ممن لهم دراية حقيقية بهذه الأفكار والرد عليها.

«مبادرات وقف العنف أو عمل مراجعات داخل السجون مجرد تمثيلية».. الجملة السابقة بدأ بها نبيل نعيم – مؤسس جماعة الجهاد في مصر والساعد الأيمن لأيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة، حديثه وأكمل عليه بقوله: الدولة تسعى إلى التخفيف من حدة السجون على المساجين بدليل إخراج عدد من الشباب المنتمين لجماعة الإخوان والتيارات الإسلامية الأخرى.

«نعيم» تابع قائلا: مراجعات السجون التي تسعى إليها الداخلية لا قيمة لها خاصة بعد موقف قيادات الجماعة الإسلامية، الذين كانوا جزءا من المراجعات في التسعينيات أمثال عاصم عبد الماجد وصفوت عبد الغنى، بل إن الإخوان أنفسهم قاموا بمراجعات عن طريق الهضيبى تحت اسم دعاة لا قضاة، وبالتالى لا يوجد شيء اسمه مراجعات، والأمر كله محاولة لتمرير الأزمة بعد انتكاسة الجماعة الإسلامية والإخوان والمطالبات بالإفراج عن الشباب في ظل الأزمات الحالية وبالتالى الأمر برمته تمثيلية لعبور الأزمة.

في حين أكد كرم زهدى، مهندس المراجعات في التسعينيات، أحد مؤسسي الجماعة الإسلامية: مبادرة وزارة الداخلية المتمثلة في المراجعات خطوة جيدة تعنى أن «الداخلية» وضعت قدميها على أول الطريق الصحيح، ولكن عليها أن تعمل على توضيح الحق والرد بالدليل الشرعى الصحيح على كل الشبهات التي تملأ رءوس الشباب أمر جيد.

«زهدي» واصل حديثه قائلا: إنه لا بد من الفصل بين من يعتنقون هذا الفكر المتشدد في السجون ومن خارجها ويجب أن تعمم هذه المبادرة في المدارس والجامعات من خلال دعوة واضحة قوية السند وبالتالى مبادرة الداخلية من الوارد نجاحها.

أما الدكتور ناجح إبراهيم، القيادى في مجلس شورى الجماعة الإسلامية، أحد قيادات مراجعات التسعينيات فقد عقب على الأمر بقوله: إن قيام وزارة الداخلية بزيادة عدد الدعاة الإسلاميين لتنظيم مراجعات فكرية للنزلاء خطوة جيدة على الطريق الصحيح لإنجاح المراجعات. وبداية جديدة إذا تم اختيار العناصر التي ستقوم بالتحاور مع نزلاء السجون يمتلكون الحجة للرد على الفكر الخاطى لدى هولاء لأن الفكر لا يرد عليه إلا بالفكر وإذا صاحب الأمر الإفراج عن عدد منهم سيكون أمرا جيدا.

«ناجح» أنهى حديثه بقوله: المرحلة الحالية ذات أهمية كبرى، واتجاه الداخلية إلى اتخاذ هذه الخطوة بداية للتصحيح للمفاهيم والأفكار التي من خلالها حاد الشباب عن الطريق الصحيح باعتناق أفكار مخالفة للشريعة الإسلامية.

" نقلًا عن العدد الورقي".
الجريدة الرسمية