رئيس التحرير
عصام كامل

ليديا يؤانس تكتب..عيد التركي

ليديا يؤانس
ليديا يؤانس

مِنْ نحو أسبوع، وبالتحديد يوم السبت الماضي الأول من أكتوبر 2016، كُنا حاجزين في رحلة إلى جاميكا، وفي المطار بمُجرد ما رفعوا الشنط بتاعتنا على الميزان، نظرت إلينا موظفة شركة الطيران، وقالت: يوجد اليوم إعصار قوي جدًا في جاميكا، هل تودون السفر أم ستلغون الرحلة؟!

ضحكنا وقُلنا، بالتأكيد سنلغي الرحلة، يا روح ما بعدك روح، وإذا كان لابُد من الموت يبقى الأفضل أن نموت في بلدنا بكرامتنا!

فِعلًا أنه إعصار رهيب قوي جدًا، اسمه "إعصار ماثيو" أي "Hurricane Matthew"، بدأ رحلته مِنْ جاميكا، ثُم اتجه إلى هايتي، ثُم إلى كوبا، وقالت الأخبار "إنه مُستمر في طريقه، إلى جُزر الباهاما وفلوريدا في أمريكا، ومازال يشُق طريقه في دولة ثم يتبعها بأُخرى، ولا نعرف متي سينتهي مِنْ رحلته المشؤومة التي حصدت المِئات مِنْ القتلي، والآلاف من المُصابين، وأتت بالخراب على بلاد كثيرة حتى الآن".

ملايين مِنْ المُهاجرين يبحثون عن بلاد يلجئون إليها، أنهم يفرون مِنْ الحروب في بلادهم، والإرهاب الذي يُلاحقهم في كل مكان بلا رحمة، الفقر والمجاعات تُلاحقهم في بلادهم، يُريدون أن يعيشوا مثل باقي البشر، وعندما قرروا الهجرة بدأ الموت يُلاحقهم أيضا سواء غرقًا في البحار أو الأنهار، أو الموت جوعًا في قِفار غير آهلة لسُكني الإنسان، أو الوقوع في أيدي عصابات الهوس الديني، أو عصابات الهجرة الغير شرعية.

الزمن اتغير ما بقاش هو الزمن الجميل!

الزمن أصبح زمن الأعاصير والبراكين والفيضانات والحرائق والمجاعات، والإرهاب وأفكاره السوداء، وأساليبه السادية البشعة في قتل وتعذيب الناس.

بالتأكيد على مدى التاريخ والحياة، كانت أيضًا تحدُث كوارث طبيعية أو غير طبيعية، يتعرض لها العالم والبشرية، ولكنها ليست بالمُقارنة بما يحدُث في أيامنا هذه، فنحن نستيقظ كل يوم على كارثة.. هل ذلك علامة من علامات نهاية العالم؟!

حدث في عام 1620 أن مجموعة مِنْ الإنجليز وصلوا إلى مدينة "بليموث" في ولاية "ماساتشوستس" بعد رحلة طويلة شاقة، هلك مِنهُم في الطريق عدد لا بأس به وذلك؛ بسبب قلة خبرة المُهاجرين، وأيضا بسبب قسوة الطقس الشديد البرودة.

بعد عدة شهور، جاء أحد الهنود وكان رئيس قبيلة، لها سُلطان في المدينة، حاول التقرب مِنْ المُهاجرين الإنجليز؛ لإنقاذهم مِنْ المُعاناة والخسائر التي تواجههم، وتقديم المُساعدات لهُم، فعَلمهُم الزراعة والصيد وبعض الحرف اليدوية لكي يستطيعوا التكسُب والعيش في الحياة.

وللاحتفال بأول موسم حصاد، أقام الإنجليز احتفالًا لمدة ثلاثة أيام، دعوا الهنود الذين استقبلوهم وساعدوهم وقت المحنة، ليُقدموا لهُم الشُكر على مُساعدتهم، والأهم تقديم الصلوات والشُكر لله على جزيل عطاياه لهُمْ، ونجاتهم مِنْ الهلاك.

ومُنذ ذلك التاريخ أصبح الاحتفال بعيد الشُكر، وبالإنجليزية "Thanksgiving" مِنْ التُراث الأمريكي والكندي والعديد من دول العالم الذين يحتفلون بعيد الشُكر، في فصل الخريف أي بعد موسم الحصاد بالنسبة للمزارعين لكي يشكروا الرب على حصاد السنة.

الكنديون يحتفلون بعيد الشُكر في الإثنين الثاني من شهر أكتوبر، أما الأمريكان فيحتفلون في الخميس الرابع من شهر نوفمبر، وهذ اليوم إجازة رسمية ويوم مقدس عند كل طوائف الشعب الكندي أو الأمريكي؛ لأنه احتفال ليس عقائديا أو دينيا أو سياسيا، فلا يستطيع أي شخص التعلل بأي سبب؛ لأنه في النهاية احتفال تجتمع فيه العائلات والطوائف مع بعضها البعض، ويستمتعون بالأكل، يتفنن الناس في صنع الأكلات التقليدية المُرتبطة بهذا العيد، مثل البطاطس المهروسة باللبن والزبد، صلصة أو مربى التوت البري، فطائر بأنواع مختلفة من الفواكه وأكثرهم شيوعًا في هذا العيد فطيرة القرع العسلي، هذا بالإضافة إلى أنواع مُختلفة من اللحوم والدجاج.

ياه كُنتم حتنسوني الحاج تركي، أو المعلم تركي، عيد الشكر لا تكون له قيمة أو قائمة إلا بوجود التركي على رأس المائدة، فهو أهم شيء في العيد، فالتركي هو العيد والعيد هو التركي، ولذا ما فيش مانع نسمي العيد بعيد التركي!

لماذا أخذ التركي هذه المكانة المهمة في هذا الاحتفال التقليدي الذي يقوم أساسا على تقديم الشكر للرب عل جزيل عطاياه وخيراته لنا؟

ربما لأن التركي كان متوفرًا بكثرة في هذه البلاد!
ربما لأن التركي تقريبا أكبر الطيور الداجنة في الحجم!
ربما لأن التركي يمشي مُختالا بنفسه نافش ريشه!
ربما لأن التركي بوجوده على المائدة يُعطيها عظمة وأبهه بأنها مائدة ناس أكابر أغنياء!
ربما لأن التركي يُعتبر ذبيحة قيّيمة تليق بتقديمها للرب للشُكر على خيراته!
ربما لأن التركي صوته عالٍ عندما يصيح في الصباح ليعلن قدوم يوم جميل!
ربما وربما وربما...

ولكن من الطريف أنه في عام 1941 اقر الكونجرس الأمريكي رسميًا، الاحتفال بهذا العيد عيد التركي آسفة أقصد "عيد الشكر" في الخميس الرابع من شهر نوفمبر من كل عام.

في هذا العيد تجتمع العائلات الأمريكية على موائد عامرة بكل الخيرات، يتم طبخ الآلاف من الدجاج والديوك الرومية، ولا يُترك إلا ديك رومي واحد حي يُقدمونه هدية للرئيس الأمريكي!

لستُ أعلم أن هذا الطقس (أي إرسال ديك رومي حي للرئيس الأمريكي) ما زال مُتبعًا في أمريكا حتى الآن أم لا؟!
وما المعني الرمزي للإبقاء على تركي واحد حي وإرساله للرئيس؟

ولكن المفروض أن أهم شيء في هذا العيد أي "عيد الشكر" هُوّ تقديم الصلوات والشُكر لله على كل عطاياه لنا:
نشكُره على الطعام بكل مصادره (الزراعية، الحيوانية، السمكية)؛ لأنه توجد بلاد بأكملها تقبع تحت المجاعات القاتلة.
نشكُره على الهواء الذي نستطيع أن نستنشقه، في حين أن البعض يقبع تحت أجهزة التنفس الاصطناعي بين الحياة والموت.
نشكُره على صحة أجسادنا، حتى ولو في وجود أمراض، فربما نحن نجد العلاج والمُستشفيات وغيرنا بسبب الفقر يئن من قسوة الألم حتى أبسط المسكنات ليست مُتوفرة لديهم.

نشكُره على كل شيء، لأنه مُستحق الشكر، من أجل محبته وكرمه معنا، بالرغم من عدم استحقاقنا.

الرب إله فرح وابتهاج وحفلات واحتفالات، يُريد اللمة والصُحبة، والتواصل الاجتماعي بين الناس، ففي العهد القديم كان يحُث الناس على أن يجتمعوا، ويحتفلوا مع بعض، وكان أهم شيء عنده، أن يكون للفقير أولوية ومكانًا في هذه الاحتفالات، أنه لا يطيق أن يري دمعة في عيني فقير.

الرب في العهد القديم وضع أعيادًا كثيرة، يجتمع فيها الناس ويفرحون ويذكرون ربنا ويشكروه، ومن هذه الأعياد، "عيد الحصاد"، حيث إن الناس يحتفلون ببدء حصاد مزروعات العام، فقبل أن يحصُدوا المحاصيل يجب أن يفرحوا ويشكُروا ربنا.

الرب كما قلت يهمه الفقير، ويُريد أن نهتم بالفقير، بأن نُعطيه هو الأول، وأن نُعطيه أفضل ما عندنا، فمثلا نُعطيه وش الحلة وليس قعرها، نُعطيه يأكل قبل أن نأكل نحن!

الرب أكد على المُزارعين، وهم يحصدون باكورة المحاصيل، أن يتركوا زوايا الحقول والحبوب التي تسقط مِنهُم ليمُر الفقير، ويجمع باكورة ما سقط مِنهُم.

عندنا هنا، العائلات والغالبية العُظمي مِنهُم أغنياء، ولا أكون بفتري عليهُم إذا قُلت مليونيرات، يجتمعون في هذه المُناسبة للأكل والاحتفال، حقهم وربنا يباركهم ويفرحهم، ويوجد أيضًا البعض يمُر بضيقات مالية وظروفهم المعيشية قد تكون صعبة جدًا، البعض لا يجدون أعمال لتكسُب احتياجات الحياة، والبعض مرضى لا يستطيعون العمل.

بالتأكيد لا أدعو هُنا، إلى أن يقوم الأغنياء، بدعوة هؤلاء الأحباء اللي ظروفهم صعبة شوية، بمشاركتهم موائدهم، ولا بملئ صينية من المأكولات وإعطائها للشخص المحتاج، على ما أعتقد أن هذا لا يليق وخصوصا من الأغنياء والمليونيرات!

لماذا لا يعمل هذا الغني أو المليونير بقيمته ووضعه الاجتماعي، وإمكانياته المادية، بتقديم مبلغ من المال للشخص المحتاج في هذه المناسبة، ويقدم الشُكر لربنا ويقول له، من يدك وأعطيناك يارب؟! 

ربما أخوك الذي ستُعطيه عنده التزامات أهم من الأكل والشرب!

أيضا الكنائس تقوم بدورها في هذا الاحتفال، أنها تدعو للاحتفال، وكأنها تدعو إلى المحبة والفرحة والاحتفال، تقول الكنائس، سنحتفل بال"Thanksgiving" مع بعض، تعالوا نأكُل مع بعض ونُشكر ربنا، والتذاكر موجودة!

يعني شرط الحضور لهذا الاحتفال.. التذاكر، وأهه نضرب عصفورين بحجر، نلم قرشين ينفعوا يسدوا مصروف من مصاريف الكنيسة، وأيضًا الناس تتلم وتأكل التركي مع بعضها!

طيب ولو فيه أسرة مكونة من عدد كبير من الأفراد، وهُمْ ليسوا من الأغنياء ولا المليونيرات، ولكنهُم من ذوي الاحتياجات المادية الخاصة، كيف يأكلون التركي ويشكرون ربنا مثلكم؟!

أختم بهذه القصة الحقيقية، التي سمعتها من واحدة من شعب الكنيسة، أسرتها مكونة من 4 أبناء والزوج والزوجة وأم الزوجة، هذه السيدة تعشق التسبيح، بل هي أيضًا واحدة من فريق الترنيم بالكنيسة، وكانت الكنيسة عملت حفلة تسبيح، ودعت أحد الآباء المشهورين بالترنيم، ووضعت تذاكر لحضور الحفل، هذه الأخت بكت، وقالت "علشان نروح حفلة الترنيم محتاجين مبلغ كذا، ونحن لا نملك هذا المبلغ، وأنا بحب الترنيم، ولكن لا أستطيع الحضور لتسبيح ربنا بسبب قصر اليد!"

أسفت جدًا على ما يحدُث ببعض الكنائس، بأن تضغى الماديات على أساسيات روحية في الكنائس!
هل الكنائس في هذا الزمن الأغبر، أصبحت للأغنياء والمليونيرات، للتباهي بالاجتماعيات وليس الروحانيات؟!
هل الفقراء أصبح ليس لهم مكان في الكنائس؟!

ولكن الأهم والأغرب أن تسبيح ربنا أصبح بالتذاكر أقصد بالفلوس!
وعلى ما أعتقد أن الخطوة القادمة في الكنائس سيكون الدخول بالملابس الرسمية والتذاكر!
الجريدة الرسمية