رئيس التحرير
عصام كامل

في ذكرى حرب أكتوبر.. سيناء بين العزلة والتهميش.. مشروعات التنمية «فص ملح وداب».. «هزيمة 67» تحول دون تنفيذ «حلم ناصر».. محاولات فاشلة لـ«مبارك» لتعميرها.. وأرض

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

سنوات من العزلة والتهميش عاشتها أرض الفيروز «سيناء»، مارست ضدها الأنظمة الحاكمة سياسة عنصرية وارتها بستار مشروعات التنمية المزعومة، التي طالما تشدقت بها طمعًا في البقاء لنكتشف في نهاية المطاف أنها «حبر على ورق»، حكومات تحالفت دون أن تدري مع قوى الشر فباتت «سيناء» كمدينة للأشباح، أو بمثابة أوكارًا تسكنها العصابات الإرهابية المتطرفة، تهجرها الحداثة والتنوع والإبداع، من أجل ذلك، أبت تلك البقعه المقدسة أن تُخرج ما في مكامنها من خيرات عرفها فقط من أحبها وأحبته.


كنوز أرض الفيروز
شبه جزيرة سيناء جنة الله في أرضه، وطأها الأنبياء، وحررها الشهداء ممن روت دماءهم حبات رملها الباسل، تنوعت مواردها وتعددت كنوزها، ذات موقع إستراتيجي منفرد كونها تربط بين قارتي أفريقيا وآسيا، وبوابة مصر الشرقية قهرت الغزاة، ورحبت بالوافدين إليها في سلام، ورغم هذا كله لا تزال أسيرة البيروقراطية والجمود.

عهد عبد الناصر
تعاقبت الحكومات وتعددت المشروعات التي حملت اسم «تنمية سيناء» إلا أنها لم ترق واحدة منها لتصل إلى حيز التنفيذ، فمع إعلان الجمهورية ووصول الرئيس جمال عبدالناصر إلى سدة الحكم عقب ثورة يوليو 1952، بدأ الحديث عن مشروع تنمية سيناء، وتحديدًا عقب العدوان الثلاثي على مصر، عام 1956، إلا أنه ظل مجرد فكرة حالت دون تحقيقها على أرض الواقع هزيمة يونيو 1967.

السادات وورقة أكتوبر
في 18 أبريل 1974 وما كادت الحرب أن تضع أوزارها، وأعلن الرئيس الراحل محمد أنور السادات عن خطة إستراتيجية لتنمية سيناء بعد انتصار أكتوبر، شارك فيها مجموعة من علماء مصر تحت عنوان «ورقة أكتوبر»، وأعلن أيضا عن إنشاء الجهاز القومي لتعمير وتنمية سيناء للبدء في تنفيذ الخطة، ولكن دون نتيجة حقيقية ملموسة.

مبارك ومشروع الوهم
لعل عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك شهد رواجًا أكبر نحو الاتجاه إلى تنمية سيناء نظرًا لانتهاء الحرب، واسترداد كامل الأرض، وبدأ السلام مع العدو يؤتي ثماره، ففي عام 1994م، أقر مجلس الوزراء مشروعا تحت عنوان «المشروع القومي لتنمية سيناء»، تقدر قيمته بنحو 75 مليار جنيه مصري، وبالفعل أصدر مبارك قرارًا جمهوريًا بتخصيص 400 ألف فدان لحفر ترعة السلام بطول 155 كيلومترًا وإنشاء 4 محطات للمياه بهدف استصلاح الأراضي للتنمية الزراعية، بالإضافة إلى البدء في إعادة بناء خط سكك حديد «الإسماعيلية – رفح» كأحد مراحل المشروع القومي، إلا أن هذا المشروع الذي استمر الحديث عنه قرابة 14 عامًا، توقف عن العمل دون إبداء أسباب.
في 14 نوفمبر،2001 عاد مبارك وافتتح المرحلة الأولى من خط سكة حديد «الإسماعيلية – رفح» حتى بئر العبد، والذي لم يكتمل إنشاؤه حتى سقوط نظامه في 11 فبراير 2011م.

بنك الأفكار
عقب قيام ثورة يناير في عام 2011 م، تهافت العلماء والمتخصصون على تقديم ما لديهم من خبرات ورؤى حول تنمية سيناء التي ذاقت عبر عقود ويلات التهميش، وكان على رئيس هؤلاء الدكتور محمود عمارة، الخبير الاقتصادي الزراعي، ورئيس جمعية المصريين بفرنسا، الذي أطلق مبادرة تسمى " بنك الأفكار " هدفها تجميع الأفكار التنموية للمحافظات المهمشة والمنعزلة، وعلى رأسها محافظة شمال سيناء، تبنى عمارة خطة لاستغلال ثروات سيناء المعدنية، وكذلك الاستفادة من ترابها الرملية لزراعة بعض المحاصيل التي تستوردها مصر من الخارج لخلق نوع من الاكتفاء الذاتي في بعض من هذه الزراعات من خلال استخدام وسائل حديثة في الري، وبالفعل دعم هذه المبادرة الدكتور عصام شرف بعدما استقبل " عمارة " نحو ما يزيد عن 10 آلاف فكرة وبحث نحو التنمية، وسلمها لرئاسة الوزراء آنذاك.

خطة التنمية
في 14 يونيو 2011 أعلن الدكتور عصام شرف، رئيس الوزراء حينها، البدء في خطه التنمية الشاملة لسيناء من خلال خطة متكاملة، تتضمن إنشاء كيان قوي ومستقل لإدارة منظومة التنمية في سيناء ومفوض في جميع اختصاصات الوزارات والجهات المعنية.

تضمنت الدراسة إنشاء مراكز تنمية على الطرق الرئيسية في سيناء، والتي تمتد من الغرب إلى الشرق، وتقسيم تلك الطرق إلى أربعة محاور رئيسية للاستثمار التعديني والصناعي في سيناء وهم "المنطقة الساحلية الشمالية، طريق القنطرة شرق، بئر جفجافة، العريش، الشط، نخل، طابا، طريق أبو زنيمة - وادي فيران – الطور"، كما حددت الدراسة مراكز تنمية صناعية مناسبة، وكيفية اعتمادها على المصادر الطبيعية المحيطة بكل محور، مع الأخذ في الاعتبار النواحي الإستراتيجية الجغرافية والبيئية.

الاستثمار الزراعي
يشتمل المشروع أيضا على فكرة التنمية الشاملة لسيناء، فإلي جانب الاستثمار التعديني والصناعي، اشتمل المقترح على أهم المواقع المناسبة للاستثمار الزراعي، وتحديد بعض المناطق التي يمكن إقامة مناطق حرة شرق قناة السويس على نسق منطقة "جبل علي" بإمارة دبي، وحدد المقترح أيضا المواقع المناسبة للتنمية السياحية وتم تحديد جميع المناطق التي يمكن عمل تنمية شاملة على خريطة سيناء.

قانون التنمية المتكاملة
ولما كانت تنمية سيناء مهمة لمحاربة قوى التطرف، في 19 يناير 2012 م أصدر المجلس العسكري – ممثل السلطة التنفيذية والتشريعية حينذاك- المرسوم بقانون رقم 14 لسنة 2012، بشأن التنمية المتكاملة في شبه جزيرة سيناء، تأكيدا على مقترح الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء الأسبق.

وفى 13 سبتمبر 2012، وبعد وصول محمد مرسي إلى رئاسة الجمهورية، واستشهاد 16 جنديا على يد الإرهاب الغاشم بسيناء في أغسطس من العام ذاته، أصدر القرار رقم 959 لسنة 2012، بشأن تشكيل مجلس إدارة الجهاز الوطني لتنمية شبه جزيرة سيناء، برئاسة اللواء محمد شوقي رشوان، وظل القرار شكليًا، ولم تتم أي مشروعات فعلية على أرض الواقع حتى عزله من منصبه إثر تظاهرات 30 يونيو الموجة الثانية لثورة يناير.

ساحة حرب
عقب عزل الرئيس محمد مرسي ووصول الرئيس عبد الفتاح السيسي للحكم، زادت وتيرة العنف في شمال سيناء، وتحولت لساحة حرب تقاوم فيها الدولة وبكل ضراوة جماعات التطرف والتكفير، فقر تخصيص ميزانية قدرها 10 مليارات جنيه للتنمية ومكافحة الإرهاب بسيناء، كما وجَّه بإنشاء جامعة تحمل اسم الملك عبدالله بن عبدالعزيز، خادم الحرمين الشريفين الراحل، في منطقة جبل الجلالة بسيناء، على أعلى قمة للجبل "700 متر"، وإقامة تجمع سكني باسم الشيخ محمد بن زايد، كحجر البداية لمزيد من المشروعات العمرانية والزراعية والتعليمية، والاستثمارية التي تسعي بها الدولة لإعمار سيناء، فور نحاجها في قطع دابر الإرهاب وتجفيف منابعه.
الجريدة الرسمية