رئيس التحرير
عصام كامل

مصر و«مؤامرة الحصار الاقتصادي الدولي»!


ما حقيقة تعرض مصر لمؤامرة إقليمية، ودولية، تهدف إلى حصار القاهرة «اقتصاديًا»؟

هناك أسباب عديدة دفعتني لطرح هذا السؤال، منها ما ذكرته صحيفة «عكاظ» السعودية، في 16 سبتمبر الحالي، أن الهيئة العامة للغذاء والدواء في المملكة «أوقفت استيراد بعض الخضراوات والفواكه من مصر، بعد أن أثبتت التحاليل عدم ملاءمتها للاستخدام الآدمي في وقت سابق من العام الجاري».


وقبل القرار السعودي بثلاثة أيام لوحت روسيا بأنها «قد تفرض حظرًا مؤقتًا على استيراد المنتجات الزراعية المصرية».

تلويح موسكو جاء تزامنًا مع تقرير لوزارة الزراعة الأمريكية، أن «إجراءات صارمة سوف تتخذها الوزارة حيال السلع المصرية الواردة إلى أمريكا»، منها «منع استيراد الفراولة أو أي فواكه مصرية تم ريها بمياه المجاري.. ووضع شروط جديدة صارمة بشأن غسيل الخضار المجمد الذي يصل إلى واشنطن من القاهرة، ووجوب غسله بمياه نقية مفلترة.. ومنع استيراد الجبن وخاصة الرومي والأبيض من مصر؛ لاحتوائها على مادة الفورمالين التي تستخدم في حفظ جثث الموتى، بالإضافة إلى أملاح قذرة يتم استخراجها من ملاحات بها بقايا حيوانات نافقة.

التقرير الأمريكي صدر عقب إعلان السلطات الأمريكية في ولاية فرجينيا إصابة 10 أشخاص بالالتهاب الكبدي الفيروسي «أ»، بزعم تناولهم فراولة مستوردة من مصر.. وللأمانة فلا أحد يعلم إن كانت هذه الاتهامات حقيقية، أم لتشويه صادراتنا الغذائية.

قبل ذلك منعت اليابان «استيراد الفراولة الطازجة من مصر» بدعوى إصابتها بـ«ذبابة البحر الأبيض المتوسط»، المعروفة باسم «ذبابة الفاكهة».

في العام الماضي منعت الرقابة الروسية «استيراد البطاطس المصرية»، بزعم إصابتها بمرض «العفن البني»، رغم أن وزارة الزراعة المصرية أنشأت في العام 1996 مشروعًا لـ«محاربة العفن البني».

حظر استيراد البطاطس المصرية لم يكن قاصرًا على روسيا، فقبل ذلك بأعوام أقدمت السعودية على اتخاذ هذا الإجراء «بعد أن ضبطت مديرية تموين الإسكندرية كميات فاسدة في أسواق الجملة، وبعد الكشف عليها وجدت أنها مرشوشة بمواد تسبب السرطان».

منع الاستيراد من مصر لم يتوقف على المنتجات الغذائية فقط، ففي 23 يوليو الماضي منعت إثيوبيا- أهم الأسواق التصديرية لمصر في أفريقيا- استيراد الأدوية المصرية من «11 مصنعًا»، بعد القيام بحملة تفتيش على المصانع المصرية التي تصدر منتجاتها إلى السوق الإثيوبية.

سبق ذلك كله حظر العديد من الدول على رأسها روسيا وبريطانيا وألمانيا وأمريكا، السفر إلى مصر عقب تحطم طائرة روسية بعد إقلاعها من مطار شرم الشيخ.. رغم أن هذه الدول لم تحظر سفر مواطنيها إلى تركيا في أعقاب تعرض مطار أتاتورك لـ«هجوم إرهابي».

ما تفسير ذلك؟ وهل هذه الدول تقود حصار مصر «اقتصاديا»؟

ربما يفسر البعض القرار الروسي بحظر استيراد الفاكهة والخضراوات من مصر، بأنه جاء ردًا على رفض القاهرة قمحًا روسيًا بسبب «فطر الإرجوت»، وهو تفسير له وجاهته، ومنطقه الذي يبرره.. أما السادة أصحاب التوكيل الحصري للحديث باسم نظرية «المؤامرة»، فيؤمنون بأن أمريكا تقود حملة ضارية لضرب المنتجات الغذائية المصرية في مقتل، ويشيعون أن واشنطن تفعل ذلك «مرعوبة» من صادراتنا الزراعية؛ لأنها «أجود» من المنتجات الأمريكية.

قطعًا لا يمكن «الحجر» على رأي أصحاب نظرية «المؤامرة المُعلبة»، لكن بدلًا من اتهام الآخرين بالتآمر علينا، وتوجيه اللوم لهم، علينا توجيه اللوم لأنفسنا أولًا، ونسأل ذواتنا: هل المتآمرون على مصر بالفعل، هم أبناؤها في الداخل أم أعداؤها في الخارج؟ هل كل المنتجين والمصنعين المصريين يلتزمون بالمعايير الدولية، والاشتراطات الصحية والبيئية والقواعد الملزمة لسلامة الغذاء؟ وهل نطبق هذه المعايير على المنتجات التي نطرحها للمواطنين في أسواقنا المحلية، قبل تصديرها إلى الخارج؟ وهل هي بنفس جودة المنتج الأجنبي أم أقل منها بكثير؟ وهل نفرض عقوبات رادعة على المنتجين المخالفين، والمقصرين، والمهملين، أم نتركهم يمارسون قتلنا بالبطيء؟

الواقع يقول: لا، وألف لا.. فنحن نتناول أدوية مغشوشة، وأغذية مسرطنة، ومياها ملوثة، ولحومًا فاسدة.. ونستخدم أغذية مُصَنَّعة في مصانع «بير السلم».. وما من يوم يمر إلا ونطالع تحذيرًا لوزارة الصحة أو الصناعة من تناول أو استخدام منتج لإحدى الشركات المعروفة.. صحيح نحن لم نشكُ؛ لأن معدتنا «بتهضم الزلط».. صحيح أننا لم نأبه بتحذيرات الصحة؛ لأن أجسامنا اعتادت على المنتجات «الفاسدة».. لكن لا ينبغي أن نعاقب المواطنين الغربيين أصحاب المعدة «المرهفة» بمثل ما نعاقب به.. فنحن أحفاد الفراعين، بينما هم أحفاد «الجبنة النستو»!

مصر- حتى الآن- مازالت تعمل بقوانين «عفا عليها الزمن»، ولم تقر الدولة القانون الجديد لسلامة الغذاء، بينما الولايات المتحدة الأمريكية تُعدل قانون الغذاء الخاص بها كل عامين بما يضمن صحة الإنسان.

باختصار.. هم يحافظون على صحة «الإنسان»، بل والحيوان أيضًا، ويتخذون كافة الإجراءات التي تحقق لهم ذلك.. وهذا هو الفارق بيننا وبينهم.. وإذا كانت «المؤامرة» أسهل وسيلة لتعليق فشلنا عليها؛ فأصول التسويق تقول: «البضاعة الجيدة تطرد الرديئة».. أليس كذلك؟!
الجريدة الرسمية