رئيس التحرير
عصام كامل

قضية التكفير


قضية التكفير من أخطر القضايا التي يقع فيها البعض، ممن لا علم لهم ولا فقه.. وهؤلاء يستندون في تبنيهم لهذا الفكر إلى الآية: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" (المائدة: ٤٤)، على اعتبار أن الأنظمة الحاكمة في وطننا العربى لا تحكم بما أنزل الله.. غير أن المعنى الحقيقى للآية هو أن من لم يحكم بغير ما أنزل الله، مستهينا أو جاحدا أو متعمدا (في قول بعض المفسرين) فهو كافر.. وقال بعض العلماء: من أقر به ولم يحكم به فهو ظالم.. قال الثورى عن بن جريح عن عطاء إنه قال: كفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون فسق..وقال طاوس: ليس بكفر ينقل عن الملة.. ويقول ابن عباس: ليس بالكفر الذي تذهبون إليه..


لم يكن "البنا"-مؤسس جماعة الإخوان- تكفيريا، ولم يؤثر عنه ذلك، سواء في مواقفه أو في كتاباته، وقد كان يعتبر كل من تسمى بأسماء المسلمين على أنه مسلم، بل خاطب كل المسئولين آنذاك على أنهم مسلمون.. وفى الأصل الأخير من "الأصول العشرين"، يقول: "لا نكفر مسلما أقر بالشهادتين، وعمل بمقتضاهما، وأدى الفرائض، برأى أو معصية، إلا أنه أقر بكلمة الكفر، أو أنكر معلومًا من الدين بالضرورة، أو كذب صريح القرآن، أو فسره على وجه لا تحتمله أساليب اللغة العربية بحال، أو عمل عملا لا يحتمل تأويلا غير الكفر".

وعلى النقيض، اعتبر سيد قطب جميع المجتمعات القائمة آنذاك -حتى التي تزعم لنفسها أنها مسلمة- هي مجتمعات جاهلية، وأننا في جاهلية تامة، إذ "كل ما حولنا جاهلية".. والجاهلية التي يقصدها "قطب" هي "الاعتداء على سلطان الله في الأرض وعلى أخص خصائص الألوهية وهى الحاكمية".. ولا يقصد قطب -كما يشير القرضاوى- جاهلية العمل والسلوك، وإنما جاهلية العقيدة، فحكم بذلك بكفر الأمة بأكملها، ولم يعتبرها مرتدة لأنها لم تدخل الإسلام من الأصل، على اعتبار عدم فهمها معنى شهادة "لا إله إلا الله".. وقد غلا فخلع عن "لا إله إلا الله" بالكلية كل من قصر في جانب من جوانبها، حتى وإن كان تقصيرًا وليس إنكارًا، ولم يفرق في ذلك بين الأصول والفروع، ولا بين العالم والجاهل، وجعل المسائل كلها من العقائد..

ويرى قطب أن المسلمين هم "مسلمون نظريا"، وأنه "لم يعد للمسلمين إسلام"، وأن الإسلام "يرفض الاعتراف بشرعية هذه المجتمعات كلها"، الأمر الذي اعتبره د. محمد عمارة مستوى من المجازفة والغلو غير مسبوق في تاريخ الصحوة الإسلامية الحديثة والمعاصرة على الإطلاق..

وكان مصطفى مشهور، المرشد العام للإخوان، إذا سمع أو قرأ شيئا يتناول فيه أحد المسئولين من نظام حكم مبارك الجماعة بما يسيء، يردد دائما قوله تعالى: "قد نعلم أنه ليحزنك الذي يقولون، فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون" (الأنعام: ٣٣)، فسأله المأمون الهضيبى (مستنكرا): مصطفى..هل تكفر النظام؟ فرد مشهور قائلا: لا.. فقال الهضيبى: إذا لا تعد إلى ترديد هذه الآية في هذه المناسبة مرة أخرى.. والذي حدث أن مشهور التزم فعلا بتلك النصيحة، ورحم الله الجميع.. لقد كان الهضيبى على علم وفقه، فضلا عن أنه كان يتمتع بخصائص القاضى الشجاع الذي يتأمل الوقائع جيدًا، ويوازن بين الأدلة في مثابرة ودأب، ثم يصدر حكمه بعد ذلك بما يتلاءم وروح القانون.. وقد أخبرنى يومًا أنه كان ضمن من شاركوا في وضع كتاب "دعاة لا قضاة" الذي تولى الرد على أهل التكفير أثناء فترة السجون..
الجريدة الرسمية