رئيس التحرير
عصام كامل

مرتبة السُنَّة النبوية


السنة النبوية لها مرتبتها لا شك في ذلك، ولكنها مرتبة دون القرآن، إذ هي بمنزلة الشرح والتفسير لما جاء في القرآن الكريم، وذلك مصداقا لقوله تعالى "لتبين للناس ما نزل إليهم" أي أن السُنَّة مضافة إلى القرآن، القرآن أولا ثم السنة تبين وتشرح، ولذلك فإن السنة ليس لها أن تشرع من دون القرآن، وليس لها أن تُحل ما حرَّم الله، أو تُحرم ما أحله الله، أو تضيف أحكاما تشريعية لم ترد في القرآن، فالحرام ورد كله في القرآن الكريم ولا يجوز الإضافة عليه، حتى أن النبي عندما حرَّم على نفسه العسل أنزل الله عليه قرآنا قال فيه "يا أيها النبي لما تحرم ما أحل الله لك"..


لذلك، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم وإن لم يكن له التحريم إلا أن له الأمر والنهي، فالنهي عن إطالة الثوب ليست من باب التحريم ولكن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن ذلك كتشريع اجتماعي لا ديني لتربية جيل الصحابة وإبعادهم عن الكبر، ونفس الأمر بالنسبة للتماثيل، حيث كانوا قريبي عهد بالوثنية والأصنام، وقل الأمر نفسه عن الذهب والحرير، كلها من باب النهي أو الأمر التربوي، لا من باب الحلال والحرام، وقد فهم الصحابة ذلك، الدرس عندما نهاهم الرسول عن زيارة القبور، وبعد أن استقام الأمر تربويا في نفوسهم قال لهم "كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها"..

فعندما نهى لم ينه للتحريم، وعندما أباح لم يبح للتحليل، ولكن النهي والإباحة كان تشريعا اجتماعيا لغرض إرادة رئيس القوم ألا وهو الرسول صلى الله عليه وسلم، ولذلك عندما نهى النبي عن حبس ضالة الإبل فهموا مقصد الرسول وامتثلوا للنهي، وعندما مرت سنوات وتبدلت الأحوال غيَّر سيدنا عثمان هذا التشريع الاجتماعي وأصدر أمرا بحبس ضالة الإبل.

ولكن يقابلنا حديث منسوب للرسول صلى الله عليه وسلم هو "ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه" وأظن أن من وضعوا هذا الحديث أرادوا أن يجعلوا للحديث مرتبة موازية للقرآن، أرادوه يُحِل ويُحرِم، أليس هو بهذه المثابة وحيا من الله لرسوله، وما فعلوا ذلك إلا لأن آية "إن هو إلا وحي يوحى" خاصة بالقرآن الذي أوحاه الله للرسول فليكن الحديث هو الآخر داخلا في نطاق "إن هو إلا وحي يوحى" وهذا الحديث "ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه" من أعجب ما تقوَلوَّه على الرسول صلى الله عليه وسلم، لذلك وقعوا في العديد من الأخطاء التي لم يجدوا لها حلا، إذ معنى هذا الحديث أن الله أعطى مثل القرآن للرسول ليكون متمما للنقص الذي فيه!

فإذا افترضنا هذا جدلا فلماذا يا هذا لم يأمر الرسول بكتابة هذا الذي هو "مثل القرآن" ولماذا قال "لا تكتبوا عني شيئا غير القرآن"، وهل يجوز أن يترك الرسول صلى الله عليه وسلم نصف الوحي يتناقله الناس بلا ضابط أو رابط، ينساه هذا ويتزيد فيه ذاك دون أن يكون محفوظا في كتاب، وهل يجوز أن نقول إن الصحابة تركوا نصف الوحي بغير تدوينه في كتاب يُسمى "مثل القرآن".
الجريدة الرسمية