رئيس التحرير
عصام كامل

نساء حول الرسول..◄ 11- مارية القبطية «أم إبراهيم وهدية المقوقس»

فيتو

ومازال الحديث مستمرا عن زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم، ضمن سلسلة "نساء حول الرسول"..


11- مارية القبطية "هدية المقوقس"


قدمت مارية إلى المدينة المنورة بعد صلح الحديبية في سنة سبع من الهجرة. وذكر المفسرون أن اسمها مارية بنت شمعون القبطبة، بعد أن تم صلح الحديبية بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين المشركين في مكة، بدأ الرسول في الدعوة إلى الإسلام، وكتب الرسول  - صلى الله عليه وسلم  - كتبا إلى ملوك العالم يدعوهم فيها إلى الإسلام، واهتم بذلك اهتمامًا كبيرًا، فاختار من أصحابه من لهم معرفة وخبرة، وأرسلهم إلى الملوك، ومن بين هؤلاء الملوك هرقل ملك الروم، كسرى أبرفيز ملك فارس، المقوقس ملك مصر والنجاشي ملك الحبشة. تلقى هؤلاء الملوك الرسائل وردوا ردًا جميلا، ما عدا كسرى.ملك فارس، الذي مزق الكتاب.


لما أرسل الرسول كتابًا إلى المقوقس حاكم الإسكندرية والنائب العام للدولة البيزنطية في مصر، أرسله مع حاطب بن أبي بلتعة، وكان معروفًا بحكمته وبلاغته وفصاحته. فأخذ حاطب كتاب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مصر وبعد أن دخل على المقوقس الذي رحب به. واخذ يستمع إلى كلمات حاطب، فقال له " يا هذا، إن لنا دينًا لن ندعه إلا لما هو خير منه".



واُعجب المقوقس بمقالة حاطب، فقال لحاطب: "إني قد نظرت في أمر هذا النبي فوجدته لا يأمر بزهودٍ فيه، ولا ينهي عن مرغوب فيه، ولم أجدهُ بالساحر الضال، ولا الكاهن الكاذب، ووجدت معه آية النبوة بإخراج الخبء والأخبار بالنجوى وسأنظر"...

 

أخذ المقوقس كتاب النبي صلى الله عليه وسلم وختم عليه، وكتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم: 

"بسم الله الرحمن الرحيم... لمحمد بن عبد الله، من المقوقس عظيم القبط، سلام عليك، أما بعد،،،

فقد قرأت كتابك، وفهمت ما ذكرت فيه، وما تدعو إليه، وقد علمت أن نبيًا بقي،  وكنت أظن أنه سيخرج بالشام، وقد أكرمت رسولك، وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم، وبكسوة، وأهديتُ إليك بغلة لتركبها والسلام عليك".


وكانت الهدية جاريتين هما: مارية بنت شمعون القبطية وأختها سيرين. وفي طريق عودت حاطب إلى المدينة، عرض على ماريه وأختها الإسلام ورغبهما فيه، فأكرمهما الله بالإسلام.



وفي المدينة، اختار الرسول صلى الله عليه وسلممارية لنفسه، ووهب أختها سيرين لشاعره الكبير حسان بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه. كانت ماريه رضي الله عنها بيضاء جميلة الطلعة، وقد أثار قدومها الغيرة في نفس عائشة رضي الله عنها، فكانت تراقب مظاهر اهتمام رسول الله صلى الله عليه وسلم بها. وقالت عائشة رضي الله عنها: " ما غرت على امرأة إلا دون ما غرت على مارية، وذلك أنها كانت جميلة جعدة - أو دعجة - فأعجب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أنزلها أول ما قدم بها في بيتٍ لحارثة بن النعمان، فكانت جارتنا، فكان عامة الليل والنهار عندها، حتى فرغنا لها، فجزعت فحولها إلى العالية، وكان يختلف إليها هناك، فكان ذلك أشد علينا".

ولادة  إبراهيم


وبعد مرور عام على قدوم مارية إلى المدينة، حملت مارية، وفرح النبي لسماع هذا الخبر فقد كان قد قارب الستين من عمره وفقد أولاده ما عدا فاطمة الزهراء رضوان الله عليها. ولدت مارية في "شهر ذي الحجة من السنة الثامنة للهجرة النبوية الشريفة"، طفلًا جميلًا يشبه الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد سماه إبراهيم، "تيمنًا بأبيه إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام" وبهذه الولادة أصبحت مارية حرة.


وعاش إبراهيم ابن الرسول صلى الله عليه وسلم سنة وبضع شهور يحظى برعاية رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه مرض قبل أن يكمل عامه الثاني، وذات يوم اشتد مرضه، ومات إبراهيم وهو ابن ثمانية عشر شهرًا، " وكانت وفاته يوم الثلاثاء لعشر ليال خلت من ربيع الأول سنة عشر من الهجرة النبوية المباركة"، وحزنت مارية حزنًا شديدًا على موت إبراهيم.

 

مكانة مارية في الإسلام: 


لمارية رضي الله عنها شأن كبير في الآيات المباركة وفي أحداث السيرة النبوية. "أنزل الله عز وجل صدر سورة التحريم بسبب مارية القبطية، وقد أوردها العلماء والفقهاء والمحدثون والمفسرون في أحاديثهم وتصانيفهم".

 

 وقد توفي الرسول عنها صلى الله عليه وسلم وهو راض عن مارية، التي تشرفت بالبيت النبوي الطاهر، وعدت من أهله، وكانت مارية شديدة الحرص على اكتساب مرضاة الرسول صلى الله علية وسلم، كما عرفت بدينها وورعها وعبادتها.



وفاة مارية

عاشت مارية ما يقارب الخمس سنوات في ظلال الخلافة الراشدة، وتوفيت في السنة السادسة عشر من محرم. دعا عمر الناس وجمعهم للصلاة عليها. فاجتمع عدد كبير من الصحابة من الهاجرين والأنصار ليشهدوا جنازة مارية القبطية، وصلى عليها سيدنا عمر رضي الله عنه في البقيع، ودفنت إلى جانب نساء أهل البيت النبوي، وإلى جانب ابنها إبراهيم.

 
الجريدة الرسمية