رئيس التحرير
عصام كامل

محنة البابا الصابر!


لم تساعد الدولة البابا تواضروس في التصدي لمحاولات إشعال الفتنة بين المسلمين والأقباط من أبناء الوطن الواحد، فمازال قانون بناء الكنائس تائهًا بين العديد من المؤسسات، ومازالت الجرائم ترتكب ضد الأقباط في وضح النهار، دون تحرك جاد من أجهزة الإدارة المحلية أو الأمن، البيوت تحرق عقب صلاة الجمعة بحجة أنها تحولت إلى كنائس يصلي بها الأقباط، وهي جريمة كبرى من وجهة نظر المتطرفين، وما جرى من وقائع في محافظة واحدة هي المنيا التي تسمى «عروس الصعيد» فتحولت إلى محافظة التعصب، يدل على أن ما تضمنه الدستور من مواد تنص على المواطنة.. لا تجد طريقها للتحقيق على أرض الواقع، وأن قوافل التعصب تتحرك عند أول خلاف يقع بين مواطن مسيحي مصري وآخر مسلم، تنتهز لإهانة المسيحيين.


يحدث كل ذلك تحت بصر وسمع أجهزة الدولة دون أن تتحرك، وتحرج قداسة البابا أمام أقباط الداخل.. والخارج.

٣٧ واقعة اعتداء على الأقباط بمحافظة المنيا خلال ٣ سنوات، ولم يقدم أي مجرم للعدالة.. كما يتكرر الاعتداء في محافظات أخرى، بينما تكتفي الدولة بالجلسات العرفية التي ثبت أنها تعقد الأمور بدلا من أن تساعد على حلها، ويحاول البابا أن يكون صبورا لدرجة كبيرة.. ولكن الأمر.. حسب قوله تجاوز كل الحدود.. ويقول.. أبذل جهدا كبيرا لاحتواء غضب الأقباط في الداخل والخارج قد لا أستطيع مواصلته..

وعلى الجانب الآخر يتعرض البابا الصابر على المكاره من أجل ألا تشتعل فتنة تحرق الوطن، إلى النقد الصريح من جانب بعض الأقباط من الداخل والخارج، لأنه يتساهل مع النظام الذي عجز عن توفير الحماية للأقباط.. واكتفى بالتصريحات الوردية التي لا تغني من جوع، ولا توقف المعتدين عند حدودهم.

والحقيقة أن الرجل يخشي على البلد من الفتنة المدمرة، ويدرك بوعي كامل الخطر القادم الذي سيحرق الوطن، ولن يستفيد أحد من حرق مصر، القضية لدى البابا تواضروس ليست الدفاع عن نظام.. إنما الدفاع عن بقاء الوطن.

تلك هي الرسالة التي بعث بها إلى أقباط المهجرين ومعظهم وطنيون بأن يتوقفوا عن التظاهرات التي تدعي أن هناك اضطهادًا للأقباط في مصر، بعضهم استجاب للدعوة ومنهم من لم يستجب، واعتبر أنهم استخدموا نفس العبارات التي تستخدمها جماعة الإخوان، وأن الإعلام الإخواني أصبح يهتم بمشكلات الأقباط بحيث لا يخلو أحد برامجها من متابعة للوقفات الاحتجاجية لبعض الأقباط، أو التصريحات منسوبة إلى بعض رجال الدين الأقباط في الداخل والخارج.

ولا شك أن غضب الأقباط مشروع، وأن السكوت على الجرائم التي ترتكب في حقهم يعني المشاركة في تلك الجرائم.. ولو بالصمت.

وأن على مؤسسات الدولة أن تتعامل مع قضايا الفتنة بما يستحق من اهتمام؛ لأن تجاهلها يعرض أمن الدولة للخطر، ومن بين تلك المؤسسات وفي مقدمتها مجلس النواب.

ولا أعتقد أن البابا تواضروس كان يتوقع من اللجنة الدينية بمجلس النواب التي قامت بزيارة الكاتدرائية أن يتحدثوا عن الإخوة بين المسلمين والأقباط، وأن يبادر كل منهم للحديث عن جيرانه المسيحيين، ولا أن تتحدث النائبة المسيحية عن تجربتها مع نواب اللجنة الذين يحبون المسيحيين، بما دفع البابا إلى أن يطالبها بألا تتحدث لمدة ٥ أشهر.. وتعلم نفسها تمرينات الصمت!

وبالتأكيد لم يكن ينتظر من رئيس اللجنة الدينية، أن يحدثه عن أصدقائه المسيحيين دميان.. وكرمان.. وموريس، ولا أنه عندما دخل الكنيسة طلب أن يفطر "فول مدمس وطعمية" لأنه يعتبر الكنيسة بيته.

كان البابا ينتظر من النواب كلامًا آخر، يدل على إدراكهم خطورة الأوضاع الراهنة، ومواعيد محددة لإصدار قانون الكنائس الذي لا يقيد حق الأقباط في بناء كنائسهم.. وأن يتوقف النواب عن الأقوال.. إلى الأفعال.
الجريدة الرسمية