رئيس التحرير
عصام كامل

هل نحن قادمون إلى الخلف !؟


رغم كل المحاولات الإصلاحية التي يقوم بها الرئيس عبد الفتاح السيسي يومًا بعد الآخر، والتي بدأت إرهاصاتها باقتحام ملفات شائكة ومعقدة، ومؤسسات سيادية لم يجرؤ رئيس من قبل على اقتحامها.. كملف القيادات الفاسدة؛ وإجبارهم على رد الأموال التي نهبوها إلى خزانة الدولة.. ناهيك عن جملة قضايا الفساد التي تم ضبطها في التموين والزراعة والاستثمار وغيرها؛ والتي تُؤشر جميعها على استقلال الهيئات الرقابية، وأننا لأول مرة بحق، نستشعر بحيادية وموضوعية ونزاهة هذه الهيئات. ورغم كل ذلك فما زال السؤال التقليدى الذي بدأ منذ الثمانينيات من القرن السابق يطرح نفسه.. هل نحن قادمون إلى الخلف؟


ولم تتقدم لنا جُملة المشروعات القومية العملاقة التي بدأتها الدولة المصرية مع عصر السيسي إجابة شافية على هذا السؤال.. ولم تكن تلقى قبولًا لدى بسطاء المصريين، الذين وقعوا فريسة لعواصف الغلاء، وباتوا مهددين بـ"مجاعات" محتومة؛ إذا استمرت موجات الغلاء دون راع أو رابط !

كما أنها لم تلق قبولا كافيًا لدى المثقفين ولا الشباب الطامح في مستقبل أفضل للبلاد.. والذين يعتقدون بشدة في إمكانات الدولة المصرية وقدرتها على الصمود والتحدى.. ويرون أن المشكلة في مصر ليست في مواردها ولا إمكاناتها التنموية، وإنما في الطريقة التي "تُدار" بها البلاد.. في نفس الوقت الذي يعتقد فيه "النظام" أن المشكلة تكمن في "الإرادة"، وأن رهان"السيسي" لخروج مصر من كبواتها الاقتصادية معقود على تلك الإرادة !

ونحن في هذا المقال نوافق وجهات النظر الثلاثة.. فالبسطاء والمثقفــون ليسوا خونة ولا عملاء لكنهم "مَعذُرُون".. ففى حين يضع "البسطاء" بطونهم مؤشر على جودة المرحلة.. يضع المثقفون معدلات النموا لاقتصادى وجودة التعليم واستقلالية القضاء ومحاربة الفساد وحرية الرأى وحجم الاحتياطي النتقدى وعجز الموازنة كلها محكات لتقييم جودة المرحلة.. وربما يكونوا هؤلاء متعجلون.. لكنهم بلا ريب ليسوا خونة ولا متآمرين!

ونظرًا لأننا تحدثنا في مقالات كثيرة عن طبيعة الخلاف بين النظام وخصومه والمعارضين له؛ فقد آثرنّا في هذا المقال فض "الاشتباك" بين النظام و"مؤيدية".. الذين لا يختلقون أسبابًاً لمعارضته، وإنما هم قلقون على مستقبله وحريصون على استمرار النظام الذي راهنوا عليه منذ البداية، ووَجَّهُوا من أجله صدورهم صوب خناجر "الإرهاب" التي لم ترحم بطن جائع أو ألَّمَ مريض أو براءة طفل، أو "مُسِنًَا" حلمه الوحيد أنه حين –يموت- يُدفَنُ في وطنه!

وحتى نكون منصفين لابد أن نعترف أننا في وضع اقتصادى "هَش".. إن بلادنا تراجعت هذا العام على "سُلَّم" الدول الهشة نحو 11 درجة، حسب تقرير مجلة فورن بوليسى الأمريكية يُقَيِّم الدول وفقا لمؤشرات تتعلق بحقوق الإنسان، وسيادة القانون، والتنمية غير المستقرة، وشرعية الدولة، والتطبيق العادل لأحكام القانون، وضعف الثقة في المؤسسات.. فبعد أن كانت مصر الدولة رقم 49 في نهاية عهد مبارك أصبحت في المرتبة 38 من بين 177 دولة شملهم التقييم! وأن جامعاتنا خرجت بجدارة من مارثون السباق على أفضل 10 جامعات في الشرق الأوسط.. بينما حظيت 5 جماعات إسرائيلية وجامعتان تركياتان وجامعتان إيرانيتان وحَظيت جامعة سعودية واحدة بهذا اللقب!

ولعل هذا الترتيب المتدنى في جودة التعليم يدعونا مجددًا إلى التسأؤل.. وبما أنتى أستاذ جامعى.. ربما خبير ببواطن الأمور بالجامعة، أؤكد أن اختيار القيادات الجامعية مصدرٌ مهم لتراجع التعليم في مصر.. وعلى السيد الرئيس أن "ينتبه" جيدًا "وهو على "يقين" بأنه لن تنهض مصر "تنمويًا" إلا إذا كان "التعليم" في المقدمة.. فعادة ما يتم اختيار القيادات وفقًا لدرجة "تَمَلِقُهَا" للنظام.. ويشترط فيمن يُختار وزيرًا للتعليم العالى أو رئيسا للجامعة أو نائبا له، أو حتى عميدا لأى كلية، ألا يكون لديه "رؤية" عملية واضحة للتطوير، وربما لا يملك أيضا "التجربة" التي ربما تشفع له!

ربما أكون مُخطئا.. ولكى يتحقق النظام من صدق مقصدى؛ عليه بمراجعة "سابقة أعمال" رؤساء الجامعات والنواب والعمداء، فربما لا يجد لأحد منهم مقالا يعبر فيه عن رايه، ولا كتابًا يسجل فيه علمه.. ولا بحثا تلاقفته إحدى المجلات العلمية الدولية؛ فكيف يتطور التعليم إذًا.. وكلُ إناء ينضح بما فيه؟!

كيف يتطور التعليم في مصر والقيادات الجامعية لا تزال بنظام "الأقدمية".. والأقل كفاءة هو المنوط بالاختيار والتقييم والترقي؟ كيف يتقدم التعليم والأستاذ موظف بالدولة يرتبط بها بتعاقد "كاثوليكى".. رغم أن كثيرًا من البلدان المتقدمة حتى في دول الخليج يتم التعيين حتى في"القضاء" بالتعاقد.. فليس بين الدولة والعاملين هناك سوى زواج "عرفى".. يفسخه أحد الطرفين متى وحيث يشاء!

وعمومًا.. فلن يتقدم التعليم في مصر؛ إلا إذا خَلّت الجامعة من قيادات الواسطة.. وفُتِحَت أبواب القيادة أمام أبنائها النابهين !

وأتصور أن هذه هي الطريقة التي يُختار بها معظم قيادات الدولة؛ وإلا لمَّا تراجعت معدلات النمو الاقتصادى هذا العام إلى 4.4 % بدلا من 5 % العام الماضى.. ولما لجأت الدولة لإنشاء فنادق ومنتجعات سياحية جديدة، ونسبة الإشغال في الفنادق الحالية لا تتجاوز الـ 20 %..!

لو كانت اختيارات هؤلاء القيادات سليمة؛ لَمّا تراجع حجم الاستثمار الأجنبي، ولما وصلت ديوننا الخارجية إلى 53.4 مليار دولار، ولما تجاوزت معدلات التضخم 14 %، ولما خرج أعضاء الحكومة على الفضائيات يتناطحون بالفساد أمام الجماهير، في سابقة هي الأولى في تاريخ الحكومات المصرية!

لو كان هؤلاء القيادات أكفاء؛ لما انكسر الجنيه المصرى في حربه الشعواء أمام الدولار.. ولما تراجعت تحويلات العاملين بالخارج إلى 4 مليارات دولار! وإذا كان هناك من يشكك فيما كتبت.. فليجيب عن تساؤل الشعب.. إلى أين نحن قادمون؟! ولا ينسى أن يُمهِرَ أقواله بالدليل!
الجريدة الرسمية