رئيس التحرير
عصام كامل

محمد حماد سليم يكتب: أوائل الثانوية العامة وأسئلة مشروعة

محمد حماد سليم
محمد حماد سليم

«الثانوية العامة شبح يخيم في البيوت».. أصبحت هذه العبارة أو معناها تتردد على ألسنة كل المتحدثين عن الثانوية العامة سواء من المسئولين أو أولياء الأمور أو الإعلاميين، ثم يكون ترقب إعلان أسماء العشرة الأوائل لأنه بالطبع يصحبه في اليوم التالي إعلان النتائج لجميع الطلاب.

ومن غير أن أعود للوراء كثيرا أقف فقط عند محطات متتالية تعكس الشعور داخلنا بخصوص الثانوية العامة.

فقد كنا ونحن تلاميذ في المرحلة الابتدائية نسمع عن الثانوية العامة ونظن أنها عبارة عن شيء لا يمكن لأحد الوصول إليه إلا بشق الأنفس بل كنا نظنه من الخيال أن نصل إليه، وكنا نرى مَن هم في الثانوية العامة فنُكِنّ لهم في أنفسنا صورة من المهابة والإجلال والتعظيم، ألم يستطيعوا أن يلتحقوا بالثانوية العامة إذن فهم يستحقون ذلك، وعلى العكس حينما كنا نسمع عن فلان رسب في الثانوية العامة رغم أنه كان أمرًا طبيعيًّا لكثرة ما كنا نسمع في الراديو "لم ينجح أحد" فكان العذر يسبقهم لكن ذلك كان يضفي على الناجحين مزيدا من المهابة لأنهم اجتازوا كل هذه العقبات.

ثم تمر السنوات سراعا لنكون في الإعدادية ويتبين لنا المجموع الذي يؤهلنا للثانوية العامة وربما عرف كل منا فرصته من نتيجة الصف الأول الإعدادي لأن الأمور لا تختلف كثيرًا، لكن شيء من المهابة الذي كان بداخلنا تبخر وبقي شيء يشعر النفس بأن طالب الثانوية العامة مميز عن غيره من طلاب التعليم الفني لكن ليس بهذا القدر من الإجلال.

وبعد قليل أصبحنا طلابًا في الثانوية العامة، وبَانَ لنا ما كان مخبوءًا تحت ستار الأيام والعقل الغرير.

لم نر هذا الإجلال ولا هذا التقديس مشفوعًا بما يمكنه في النفوس، فلا الأخلاق تختلف كثيرًا، ولا العقول فيها شيء زائد، ولا غير ذلك من الفوارق، بل ربما وجدنا طلابًا في التعليم الفني كانوا أعلى درجة في الإعدادي من غيرهم وحالت الظروف دون التحاقهم بركبنا معاشر المتفوقين أو هكذا كنا نظن.

ثم في السنة النهائية يكون الترقب لنتائج الأوائل، ولا أحد ينكر أن لهم رونقًا ولمعانًا دون غيرهم، وأن هذا سيكون في سجل مفاخرهم ويتباهون به أمام أقرانهم وأبنائهم في قادم الأيام، هذا إذا لم يكن في حد ذاته عبئًا عليهم. وهنا تثور الأسئلة المشروعة.

هل أوائل الثانوية العامة هم بالفعل النخبة والصفوة من بين أقرانهم وأنهم أصحاب العقول الجبارة التي تخطت كل العقبات لتكون في الصدارة أمام عشرات أو مئات الآلاف من الطلاب أم أنهم غير ذلك؟

هل نظام التعليم عندنا يسمح بالفعل باستخراج المواهب والكفاءات، ويوجه الطلاب لما يصلحون له وما يناسب قدراتهم الحقيقية؟

وإذا كانت الإجابة بنعم سيثور تساؤل آخر: أين هؤلاء النوابغ بعد تخرجهم من الثانوية العامة؟

هل كفلت لهم الدولة تعليمًا مميزًا يرعى مواهبهم التي ثبتت للجميع وشهدت بها الدنيا ليكونوا نواة لعلماء كبار تستفيد منهم الدولة والأمة كلها؟ هل صاروا أوائل الكليات والجامعات أيضًا؟ هل أصبحوا من جماعة المخترعين الذين سينهضون ببلادهم وأمتهم؟ هل تم تسجيل براءات اختراع لأحد منهم؟ هل صاروا من أهل الكفاءات العالية في مجالاتهم المختلفة؟ هل قام أحد من المتخصصين أو المعنيين بمتابعة هؤلاء الأوائل على مدى عشر سنوات ليرى ببحث غير مطول أين هؤلاء الأوائل وإلى أين وصلوا؟ والمعلومات بخصوص هذا الأمر لا أعتقد أنها غائبة فقط الفكرة والإرادة.

ما جدوى هذا الموضوع الغريب في هذا التوقيت؟
جدواه أنه من خلال النتائج سنقف على كثير من الأمور إما على القوة البشرية التي بمصر وبالتالي نوجه إليها الأنظار لنستعيد اكتشافها والاهتمام بها لتحقيق الفائدة المرجوة، أو يوقفنا على طبيعة نظام التعليم لنعرف مزاياه وأوجه قصوره وبالتالي نستطيع تقييم أهم نظام في الدولة لنعيد بناء القدرات واكتشافها على أسس سليمة، وربما لم يكن هناك خطأ في الطلاب ولا نظام التعليم أو جودته لكن الخطأ إن وجد يكون في نظام إدارة الدولة ذاتها من حيث اهتمامها أو عدمه في رعاية المتفوقين من أبنائها وبناء على ذلك تقع التبعة عليها فيما نحن فيه من تراجع كبير.

إن هذا الموضوع دعوة لأصحاب التخصص للبحث الميداني وبناء دراسة مستوفية ثم عرضها على من يهمه الأمر.
الجريدة الرسمية