رئيس التحرير
عصام كامل

تعليم بلا إمكانات وحلول = تعليم خالٍ من الجودة


مع قرب انتهاء الموسم الصيفي، زادت تصريحات الدكتور الهلالي الشربيني، وزير التربية والتعليم عن الاستعدادات للموسم الجديد، والمؤكد أن العام الدراسى القادم سيكون كالأعوام السابقة، وستضيف مصر وطلابها عام آخر لسنوات النظام التعليمي الفاشل.


فوزير التعليم أعلن أمام لجنة التعليم أن مصر تحتاج إلى 138 ألف فصل لاستيعاب جديد للقضاء على الكثافات العالية بالفصول، وأن بعض الكثافات في الفصول بمحافظة الجيزة وصلت إلى 140 طالبًا، ثم بشرنا سيادته بإنشاء 85 ألف فصل جديد لاستيعاب الكثافات الطلابية. أما البشرى الثانية فهي الانتهاء من طباعة 40% من الكتب المدرسية العام المقبل، وأن 90% من الكتب تم طباعتها ووصلت لمخازن المديريات.

قبل شهرين من الآن كلف الوزير بمتابعة تفعيل الخطة الإستراتيجية للتعليم قبل الجامعي 2014-2017، وعندما تقرأ الخطة الإستراتيجية وتطالع الجداول التي تمتلئ بالإرقام والإحصائيات، وتشاهد "الجرافيكس" والفوتوشوب المبذول في التقرير تعرف أن الوزارة تمتلك مهارات في ملئ صفحات بالأهداف والخطط.

وعلى المنهج نفسه، تجد أن أحدث الإبحاث المنشورة على موقع المركز القومي للبحوث التربوية والتنمية، والذي جاء بعنوان "التقدم في تحقيق أهداف التعليم للجميع في مصر (2000-2015). البحث الذي جاء بإعداد فريق من الباحيثن بالمركز وبإشرف الدكتورة جيهان محمد كمال مديرة المركز، أشار إلى أن نسبة الأمية ما زالت 22.1%، وأن التسرب في التعليم ما زال مستمرًا، بالإضافة إلى مجموعة أخرى من التحديات.

ودعونا نتفق أن الخطط والإستراتيجيات لا تحقق أهدافا طالما أن الإمكانات التي تحتاجها هذه الإستراتيجية التي تتحدث عن تعليم تتحقق فيه "الجودة". هناك حقائق يلمسها الجميع، وهو أن التعليم ينتج طلابا بلا مهارات، وأن وزارة التربية والتعليم لن تسطيع توفير تعليم عالي الجودة، أو تعليم جيد على الأقل – لــ 18 مليونا و289 طالبا وطالبة، وهو إجمالي عدد الطلاب المقيدين في المدارس، وفقًا لأحدث الأحصاءات التي أوردها آخر أبحاث المركزي القومي للبحوث التربوية والتنمية. وزارة التربية والتعليم تفتقد للحلول، فتزيد عدد المدارس والفصول بدلًا من الاستفادة من الدراسة المسائية، وهو ما يعني أن الوزارة يمكنها أن تستخدم نفقات بناء وتجهيز مدارس وفصول جديدة، لتجديد وتحديث مدارس قائمة وتزيد هذه المدارس بالإمكانات التكنولوجية التي تحتاجها.

طباعة الكتب المدرسية نفسها كل عام رفاهية لا يمكن لدولة تمر بظروف اقتصادية صعبة أن تتحملها. هناك الكثير من الدول الأجنبية التي تطلب من كل طالب الحفاظ على الكتاب المدرسي وتسليمه في نهاية العام، ليتم تسليمه العام التالي لطالب آخر. قد يقلل البعض من الأمر، ولكن يمكننا أن نكتشف حجم الإهدار في بند طباعة الكتاب المدرسي. فإذا اعتبرنا أن عدد الطلاب في مرحلة التعليم قبل الجامعي هو 18 مليون طالب، وأن متوسط عدد المواد الدراسية في مختلف السنوات الدراسية من الصف الأول الابتدائي حتى الثانوية العامة هو سبع مواد فقط، يكون متوسط عدد الكتب المطلوب طباعتها وتوفيرها كل عام هو مليار و512 مليون كتاب. تكلفة طباعة الكتاب المدرسي كانت تبلغ حتى عام 2013 مليارا و200 مليون جنيه، والمؤكد أن هذه التكلفة قد زادت بسبب ارتفاع الدولار مقابل الجنيه.

لايتمكن طالب المدارس الحكومية وبعض المدارس الخاصة من تحصيل قدر كافٍ من اللغات الأجنبية بسبب ضعف مستوى المعلم، والحقيقة التي تتجاهلها وزارة التربية والتعليم أن إنشاء معامل للاستماع في المدارس من المرحلة الابتدائية، واعتبار مادة الاستماع مادة إجبارية يومية من شأنه أن يزيد من تعرض الطلاب للغات الأجنبية ويحقق الهدف من التعليم. فالكثير من طلاب المدارس الحكومية يتلقون اللغة الإنجليزية من مدرسين يحتاجون أن يتعلمون مادة الصوتيات من جديد.

الولع بتحقيق جودة التعليم في مصر دونما النظر إلى الإمكانات الفعلية سيقودنا دائما إلى النتيجة التي قادنا إليها ولعنا بتنظيم مصر لكأس العالم في عام 2010. علينا أن ندرك أننا عاجزون عن توفير تعليم مقبول قبل أن نتحدث عن جودة التعليم أو توفير تعليم عالي الجودة. وكان الأفضل لوزارة التربية والتعليم أن تضع أهدافا بسيطة لتحققها مثل التركيز على جانبي القراءة وتحسين مستوى اللغات الأجنبية لدى الطالب بدلا من الإستراتيجية الفضفاضة التي لم تترك شيئًا إلى وضمنته.

هناك محاولات ومبادرات مثل مشروع المدارس الذكية والمدارس التنافسية التي قالت وزارة التربية والتعليم إنه تم إنجازها ولكنها غير كافية لتحقيق جودة التعليم. من يقرأ الخطة الإستراتيجية للتعليم قبل الجامعي ويستمع لتصريحات الوزير والتصريحات الصادرة عن وزارة التربية والتعليم يتعجب لحال التعليم في مصر. فما أسهل أن تكتب وتسطّر، وأن تقول وتصرح، وما أصعب أن تحول ما كتبته وما قلته إلى حقيقة في المدارس وفي الفصول. لن ينصلح حال التعليم في مصر طالما كانت الإمكانات لا تلبي الخطط والإستراتيجيات، ولن ينصلح حال التعليم في مصر إلا عندما يتم التركيز على أهداف دقيقة يمكن إنجازها ثم الانتقال إلى غيرها من الأهداف.

ويكفي أن يعرف القارئ أن ميزانية التعليم قبل الجامعي في ولاية أورجن الأمريكية هي 6.2 مليار دولار في عام 2012، وتحتاج الولاية إلى 2 مليار دولار كي تستطيع أن تحقق تعليما ذا جودة، وذلك وفقا لما جاء في التقرير الخاص بنموذج جودة التعليم في الولاية (صفحة 36)، في حين أن صفحة "موازنة المواطن" التي تخصصها وزارة المالية على موقعها تشير إلى أن ميزانية التعليم قبل الجامعي تصل إلى 68.2 مليار جنيه (وهي تمثل 72% من حجم الإنفاق على قطاع التعليم حسب موقع الوزارة). وبعملية حسابية بسيطة يمكن أن تكتشف ميزانية أن التعليم قبل الجامعي في مصر تصل إلى 7.5 مليار دولار تقريبًا. ولاية أورجن هي ولاية من بين 51 ولاية، وهي من الولايات الصغيرة حيث يصل عدد سكانها إلى 3 ملايين و900 ألف نسمة.

الصفحة الخاصة بـ "موازنة المواطن" تشير إلى أن المرتبات والأجور تلتهم 85% من إجمالي ميزانية التعليم قبل الجامعي، بما يعادل 58 مليار جنيه تقريبا (6.5 مليار دولار). يتبقى للطلاب مليار جنيه تقريبا هو كل ما يتعلق بالأنشطة الطلابية بما فيها الجودة.

تقرير "نموذج الجودة" لولاية أورجن" يشير في صفحاته 15، 16، 17، إلى أن متوسط الإنفاق على الطالب في المدرسة الابتدائية هو 9670 دولارا في السنة، و9957 دولارًا لطالب المرحلة الإعدادية، و10095 دولارًا هو ما يتم إنفاقه على طالب المرحلة الثانوية. تحتاج الولاية إلى زيادة الإنفاق بمبلغ يتراوح بين 1500-2000 دولار على كل طالب في المراحل الثلاث حتى تصل للجودة التي تنشدها.

على وزارة التربية والتعليم أن تستفيق من سكرات جودة التعليم، وأن تكتفي عن التحليق وتسطير الإستراتيجيات، وأن تهبط لأرض الواقع وتبحث عن حلول في حدود الإمكانات لتوفير تعليم "مقبول".
الجريدة الرسمية