رئيس التحرير
عصام كامل

في كتابه «قصة الثروة في مصر».. ياسر ثابت يتحدث عن أباطرة «صنع في مصر».. «أبو رجيلة» تلميذ طلعت حرب الذي صنع أسطورة «أتوبيس القاهرة».. «فرغلى باشا» ملك

فيتو

"وكانت لنا أيام".. محاولة التعرف على تاريخ الثروة في مصر، لا يمكن أن تكون صالحة للاستخدام الآدمي دون المرور على ما كتبه الدكتور ياسر ثابت في كتابه "قصة الثروة في مصر"، والذي يمكن القول إنه قدم "تأريخا" للاقتصاد المصري في العصر الحديث، وتحديدا خلال الـ200 عام المنقضية، حيث يبدأ "ثابت" الحديث عن تجربة أول مليونير في مصر، وهو حسن طوبار الذي ظهر في أجواء الحملة الفرنسية، وكان زعيمًا على إقليم المنزلة في محافظة الدقهلية حاليًا، وكان أحد أبرز زعامات المقاومة المصرية ضد الاستعمار الفرنسي.


الاستعراض الذي قدمه "ثابت" في مؤلفه لم يتوقف عند حدود الأرقام، أو تقديم "سير ذاتية" لـ"مليونيرات المحروسة"، لكنه قدم أيضا تحليلا سياسيا واقتصاديا للأوضاع خلال الفترة التاريخية التي يلقي الضوء عليها.

بعد حديثه عن عهد محمد على باشا الذي حكم المحروسة في النصف الأول من القرن التاسع عشر، وعصر الخديوي إسماعيل بن محمد على الذي حكم مصر في سبعينيات ذلك القرن، تناول المؤلف سيرة عدد من رجال أعمال العهد الحديث، حيث كتب عن "فرغلي باشا" أو "ملك القطن" تحت عنوان "دموع ملك القطن" قائلا: ينتمي محمد أحمد فرغلي باشا ملك القطن، إلى أسرةٍ من أصولٍ صعيدية، فهي من مدينة أبوتيج ونزحت إلى الإسكندرية واستقرت بها. كانت أسرته محسوبة من الصفوة، حيث الثراء المادي والاقتصادي، بل إن الشارع الذي وُلِدَ فيه حمل اسم أسرته: شارع فرغلي".

وأكمل قائلا: بدأت رحلة "ملك القطن" - الذي توفي والده عام 1927- مع التصدير بحصة لا تتجاوز 0،25 % من إجمالي المحصول المصري من القطن. وبعد ما يزيد قليلًا عن عشر سنوات، كان محمد أحمد فرغلي يصدر 15% من جملة المحصول. وبهذه النسبة كان يحتل المركز الأول في قائمة المصدرين، فضلًا عن أن نجاحه مَثَل دافعًا لأن يقتحم مصريون آخرون مجالًا كان مغلقًا دونهم.

وأشار أيضا إلى أن "فرغلي باشا" في عام 1935، انتُخِبَ وكيلًا لبورصة مينا البصل، وكان أول مصري ينهي سيطرة الأجانب الطويلة على المناصب القيادية. وفي مقابلة مع الملك فؤاد بعد انتخابه، ودعه الملك مخاطبًا بكلمة "بك". ولما كان نطق الملك ساميًا لا عودة فيه، فقد حاز محمد أفندي فرغلي رتبة البكوية. وفي عام 1941، في ظل وزارة حسين سري، حصل فرغلي على رتبة الباشاوية.

تجدر الإشارة هنا أيضا إلى أن فرغلى باشا تعرض لأزمات مالية كبيرة بسبب تذبذب أسعار القطن في الأسواق العالمية، ولكنه دائما كان يخرج من الأزمات ليواصل نجاحاته، فأصبح من كبار المساهمين في عدد كبير من الشركات، وعضوا في مجلس إدارة بنوك ومؤسسات اقتصادية كبري وتوسعت شركته (شركة فرغلي بالإسكندرية) ووصلت أرباحها لأرقام فلكية بمعايير ذلك الزمان، حيث تخطت أرباحها السنوية حاجز المليون جنيه.

وكانت الأزمة الكبري بعد ثورة 23 يوليو 1952 حيث تم تأميم شركته، ورغم هذا الأمر فإنه رفض ترك مصر على الرغم من العروض الضخمة التي جاءته من إنجلترا للاستفادة بخبرته، وكان أحدها للعمل كمستشار لأحد البنوك الإنجليزية. وعمل مستشارا لمؤسسة القطن براتب ضئيل (أول مرتب شهري حصل عليه بعد فرض الحراسة كان اتنين جنيه ونص ووصل آخر مرتب حصل عليه إلى ما يقل قليلا عن 100 جنيه، في حين كان العرض الإنجليزي يتضمن راتبا يصل إلى 25 ألف جنيه مع سيارة وسائق ).

ومن الحديث عن قصة "فرغلي باشا" ينتقل بنا "ثابت" إلى محطة اقتصادية لا تقل في أهميتها عن محطة "ملك القطن"، وهى محطة "إمبراطور الأتوبيسات" عبد اللطيف أبو رجيلة، الذي قال عنه المؤلف: إن أبو رجيلة يعتبر نفسه تلميذًا في مدرسة طلعت حرب -الذي لم يصل يومًا إلى قائمة أغنى أغنياء مصر بالرغم من دوره الاقتصادي الكبير- وكان يؤمن بأن النجاح، كهدف، ينبغي أن يسبق جمع الثروة، لدى أي رجل أعمال، وأن المال يجب أن يجري في مشروعات طول الوقت، ولا يتكدس في البنوك لحظة واحدة، بدأ رحلة الاستيراد والتصدير برأسمال متواضع 34 جنيهًا

وأكمل "ثابت" قائلا: اشترى أبو رجيلة آلة كاتبة ومكتبًا وطوابع بريد، وعيّن موظفًا ليعاونه بمرتبٍ لا يزيد علي خمس جنيهات في الشهر، وانطلق في مشروعه الجديد، ويقول في حديث له مع سكينة السادات (مجلة المصور، مارس آذار 1959): "كانت السنة الأولى في هذا العمل سنة كفاح بل سنة حرب، واجتزت معارك السنة الأولى، وبدأت معارك السنة الثانية، وبعد ثلاث سنوات أخرى، سارت سفينة العمل في الطريق الصحيح، وبدأت تتجه إلى بر الأمان، ومضيت في طريقي هذا حتى غمرتني الملايين كما يقولون، وما زلت – وأنا في غمرة ملاييني- أذكر رأسمالي العظيم الذي تدفقت منه هذه الملايين. لقد كانت أربعة وثلاثين جنيهًا عظيمة حقًا، لأنها أنبتت أضعاف أضعافها، كأنها الحبة المباركة التي وصفها القرآن الكريم بأنها أنبتت سبع سنابل، في كل سنبلة مائة حبة".

وعن علاقة "أبو رجيلة" بمن تولوا الحكم بعد ثورة يوليو 52 قال "ثابت": استدعاه عبد اللطيف البغدادي، وزير الشئون البلدية عام 1954، وطلب منه أن يتولى أتوبيس القاهرة، فوصل المرفق على يديه إلى مستوى غير مسبوق من النمو، والنظام، والنظافة، والكفاءة في الأداء، وبلغ حدًا لم يكن يتخيله أحد، وكان ينقل ١٣ مليون راكب شهريًا، من خلال شركة كانت تضم ٤ آلاف موظف.

وأوضح أيضا أنه"بعد عامين من بدء العمل، كان لدى خطوط القاهرة أكثر من 400 سيارة أتوبيس تقدم خدمات راقية وبكفاءة، وفق مواعيد منضبطة- ولم يكن الزمن الفاصل بين كل سيارتين في الخطوط المزدحمة يتجاوز ثلاث دقائق- ينفذها سائقون ومحصلون ومُدرَبون. وكان هناك تفتيشٌ صارم يحول دون الاستهانة بالراكب والإساءة إليه وإهدار وقته، وجراجات حديثة لإيواء السيارات وصيانتها في ورشات متطورة، وبنى أبو رجيلة أكبر جراجين في مدينة القاهرة، أولهما عند مدخل القبة على مساحة 13 فدانًا، وثانيهما بالقرب من نفق الجيزة، فضلًا عن جراج ثالث كان مِلكًا لشركة أمنيبوس العمومية بشارع إسطبلات الطرق في حي بولاق، اشتراه أبو رجيلة لينضم إلى شركته العملاقة، وكان أبو رجيلة يتخفى ويركب الأتوبيس مرة كل شهر، ليرى كيف يتعامل موظفو شركته مع الركاب، واحتد ذات مرة على سائق تجاوز محطة من المحطات المقرر له أن يقف فيها".

كما تحدث صاحب "تاريخ الثروة في مصر" عن رجل الأعمال "عبود باشا" الذي قال عنه: ظل أحمد عبود يساعد والده في إدارة الحمام الشعبي حتى تخرج في المهندسخانة. عمل بعد تخرجه بأجر شهري لا يتجاوز خمسة جنيهات في وابورات تفتيش الفيكونت الفرنسي هنري غابرييل الشهير بالكونت دي فونتارس بأرمنت، وفُصِلَ منه بعد فترة ليعمل مع أحد مقاولي الطرق والكباري بفلسطين، وكان ينفذ بعض العمليات للجيش الإنجليزي.

وفي تلك الفترة تعرف إلى مدير الأشغال العسكرية للجيش الإنجليزي، ونشأت بين عبود وبين ابنة هذا الضابط الإنجليزي المهم قصة حب انتهت بالزواج، وهنا جاء التحول الكبير في حياة هذا المهندس الشاب، حيث ترك العمل لدى المقاول واشتغل بالمقاولات. وبمساعدة حميه أسندت إليه معظم أشغال الجيش الإنجليزي في فلسطين ومدن القناة، حتى تكون لديه رأسمال استطاع به أن يشتري معظم أسهم شركة ثورنيكروفت للنقل بالسيارات بالقاهرة، ثم شركة بواخر البوستة الخديوية، حتى ظهر اسمه في عام 1935 في ذيل قائمة أغنياء مصر أيامها".
الجريدة الرسمية