رئيس التحرير
عصام كامل

آمنة نصير: المسلمون عرفوا «المجتمع المثالي» في زمن عمر بن عبد العزيز

فيتو

  • مكارم الأخلاق تصنع «مدينة الله»
قالت أستاذ الفلسفة والعقيدة الإسلامية بجامعة الأزهر الدكتورة آمنة نصير، إن المسلمين لم يعرفوا المدينة الفاضلة سوى في عصر خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز، مشيرة إلى أن أمراض البشر تحول دون إقامة المدينة الفاضلة في العصر الحالي.

وأوضحت نصير في حوار مع «فيتو» أن من الخطأ اختزال مكارم الأخلاق في جلباب ولحية فقط لأن الأخلاق الحميدة أهم من المظهر الخارجي.. وإلى نص الحوار:


* ما مواصفات المدينة الفاضلة بالمفهوم الفلسفي؟
المدينة الفاضلة هي المدينة التي تستمد طاقتها وأخلاقها من عالم المُثل، فهى مدينة شبيهة لصورة مثالية كما وردت في النص الدينى، وتستمد الصورة النموذجية والشبيهة لها من عالم المثالية مثل الذي سعى أفلاطون لتحقيقه، أما الفارابى فتصور أن عالم المدينة الفاضلة يتحقق بأناسها والأشخاص الموجودين فيها، فيجب أن يكونوا صورة مثالية للعمل الجاد والأخلاق الحميدة، وألا يكون فيها من يسرق ويستبد ويظلم أو يتعدى على حقوق الآخر، ووجد في الميراث العربى بعض الشخصيات التي تصلح أن تكون أساسا لقيام مدينة فاضلة، فكان رئيس المدينة الفاضلة من وجهة نظر الفارابى يتطلب أن يكون قدوة ومثالا، وكان يرفض أن توجد فيه أي نقيصة لأنه يشكل أساس تلك المدينة الفاضلة.

* هل يختلف مفهوم ومواصفات المدينة الفاضلة من عصر إلى آخر؟
هناك معايير ثابتة لقيام مدينة فاضلة، مثل الالتزام بالقيم الأخلاقية، وقوة القيادة، وحكمتها، ومسئولية القائد في أن يكون خاليًا من أي عيوب سواء كانت عيوبا أخلاقية أو نفسية أو شكلية وجسدية أيضًا، وهذه المعايير بالتأكيد تكون نسبية من عصر لآخر، ويمكن أن تزيد أو تنقص من زمن لآخر، ولكنها تصلح كخطوط عريضة لمواصفات المدينة الفاضلة في جميع الأزمان.

* ما الأسس الأخرى التي لا بد من توافرها لقيام مدينة فاضلة؟
العدل، ووعى الرعية بأنها تكون مدركة بأن عليها واجبات يجب أن تقوم بها، ولها حقوق ينبغى أن تطالب بها، وعندما تتضح الواجبات والحقوق تسير المدينة على أعلى مستوى، ويتحقق مفهوم المدينة الفاضلة، فهذه هي الشروط والأسس الرئيسية الواجب توافرها لقيام مدينة فاضلة.

* هل تمكنت الإنسانية ذات يوم من تحقيق "مدينة فاضلة" على أرض الواقع.. أم أنها سوف تظل مجرد فكرة خيالية؟
هناك أوقات تحقق فيها وجود "مدينة فاضلة" بنسبة أو بأخرى، وأحسب أن فترة "عمر بن عبدالعزيز" قد تحقق فيها قيام مدينة فاضلة، ويرجع ذلك إلى بعده وتجرده كحاكم من أن يتمتع بنعيم الحكم، وتجرده من كل الرفاهيات التي كان يتيحها لها الحكم، فقد أخذ نفسه بشدة وأبعدها عن أي ظلم أو مظلمة للرعية، فكان يمثل قدوة جيدة، وتميزت خلافته بالعدل والمساواة، ورد المظالم، وكل ذلك حققه في وقت لم يتجاوز العامين.

فيمكننى أن أصف عمر بن عبد العزيز، رضى الله عنه وأرضاه، أنه رئيس المدينة الفاضلة، فعندما تولى الخلافة ألقى على الناس خطبة توضح ذلك، حينما قال: "أتمنى ألا أرى محتاجا للعمل ولا يجده، أو جائعا ولا يعرف الشبع، أو من يريد الزواج ولا يستطيع"، فكان الخليفة عمر بن عبد العزيز يعرف ما له وما عليه، وينتصر للضعيف، فكان بالمعنى المعاصر يؤمن حق الضعيف من القوى، وكان عصره يتسم بالكرم والحرية اللائقة للإنسان وإمتاع حياة الرعية بما يحتاجونه من زواج وطعام وعمل، وكل وجه من أوجه الحياة.

* لماذا فشل الفلاسفة في تحقيق المدينة الفاضلة؟
لأنه عندما تتغلب الأمراض البشرية كالظلم والكذب والغش والخداع وغيرها من الصفات الرذيلة، يصعب تحقيق مكونات المدينة الفاضلة، والشر من طبيعته أنه قوى وله الغلبة، فيتغلب على الخير والمثالية، وهذا يمكن أن نراه في الأزمنة الماضية، والزمن الحالى، إذا لم تكن هناك قوة القانون الصارمة الحازمة القوية التي لا تعرف الضعف والظلم والهوان.

* كيف ننشئ مدينة فاضلة وفقًا للمعايير الإسلامية؟
الشروط الأساسية لقيام مدينة فاضلة وفقا للمعايير الإسلامية هو وجود العدل والقوة والقدوة والرشاد، وهى أمور وارد تحقيقها إذا تم تفعيل القانون واستبعدت التفرقة بين القوى والضعيف، فطبيعة النفس البشرية أنها تمتلك الازدواجية بين التقوى والفجور، وهذا الفجور ينتهى بقوة القانون التي تتغلب عليه، وصدق الله العظيم في توضيحه للنفس البشرية، عندما قال سبحانه وتعالى «ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها».

* متى وكيف يتحول المسلمون إلى مدينة فاضلة؟
يتحول المجتمع الإسلامى إلى مدينة فاضلة عندما يعرف المواطن الفضل والقيم الأخلاقية وعندما يعرف القيم التي أتى بها سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم ليتمم بها مكارم الأخلاق، فإذا التزم الناس بتلك الأخلاق على الواقع تحولوا إلى "مدينة فاضلة"، لكن لا يجب نختزل مكارم الأخلاق في مجرد شكل المظهر الخارجى فقط، وفى ملبس ولحية وتمتمة كلام إلى آخر تلك المظاهر الشكلية، التي أصبحت وبكل أسف تستغل للتجارة والخداع والغش بعيدا عن صدق التطبيق على أرض الواقع، فإذا اختصرنا مكارم الأخلاق في الشكل فقط لا نستطيع أن نقول إنه سيكون هناك "مدينة فاضلة".

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لــ "فيتو".
الجريدة الرسمية