رئيس التحرير
عصام كامل

فتنة تيران.. وصنافير !


أن يجد الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة ترحيبا من جانب الذين اعترضوا على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، وتم بمقتضاها نقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير من مصر للسعودية، وأن يدافع المـؤيدون عن سلامة الاتفاقية، وأنها أعادت الحق إلى أصحابه، فإن هذا الخلاف سبق الحكم الذي أصدرته محكمة القضاء الإداري وقضي ببطلان الاتفاقية، ونشب منذ الإعلان عنها في مناسبة زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سليمان إلى مصر، وعندما حدث الانقسام في الرأي العام المصري..


ما بين المؤيدين والمعارضين، دافع كل طرف عن مواقفه بتقديم مستندات تدعم وجهه نظره، وسط حيرة الرأي العام الذي صدم بالإعلان المفاجئ عن أن الجزيرتين تتبعان السعودية، وانتظر الناس صدور حكم قضائي بحسم هذا الخلاف حتى لا يتحول إلى فتنة بين المصريين، أو بينهم وبين السعودية، ومن يتابع تعليقات الصحافة الأوروبية والأمريكية على الحكم، يدرك أنها تراهن على إحداث الفتنة سواء بين الشعبين الشقيقين أو بين المصريين.

ومن أسف أن الحكومة لم تقدر تأثير الإعلان المفاجئ عن الاتفاقية.. وفي ظروف غير مواتية، عندما تقترن باتفاقيات ومعونات تقدمها السعودية لمصر، ويفسرها البعض على أنها ثمن تمرير الاتفاقية.. ونقل تبعية الجزيرتين للسعودية.

وانا أحد الذين صدمتهم الاتفاقية بعنف، رغم ثقتي الشديدة في القيادة الوطنية، وأنها لا يمكن أن تتخلى عن ذرة تراب من الأراضي المصرية، وعذري أنني لم أسمع عن تبعية الجزيرتين للسعودية إلا عند الإعلان عن الاتفاقية.

لقد جندت في القوات المسلحة، عقب هزيمة يونيو ٦٧ حتى تحقيق نصر أكتوبر ٧٣، والتقيت بحكم عملي في الإعلام العسكري بالعديد من القيادات العسكرية في مختلف المواقع، ولم أسمع مرة واحدة أن الجزيرتين ليستا مصريتين.

وقد أربك الإعلان المفاجئ ملايين المصريين حتى قيادات الدولة، ومنهم السفير محمد العربي وزير خارجية مصر الأسبق ورئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب، الذي أعلن: الرأي العام في مصر (مش مستريح) لتلك القضية، وأن المجلس يعكس نبض الشارع، وأضاف العربي: نحن سلطة منفصلة تماما عن الرئيس، ونمثل السلطة التشريعية والرقابية..

وهذا الموقف لا يتخذه العربي وحده، وإنما العديد من قيادات ائتلاف دعم مصر داخل مجلس النواب، وهؤلاء لا يمكن اتهامهم بالتآمر والخيانة أو الانتماء لجماعة الإخوان، وهي الاتهامات الجاهزة التي يوجهها بعض الإعلاميين من المحسوبين على النظام، إلى كل صاحب رأي يبدو مخالفا لرأي السلطة، حتى لو كان الهدف تصحيح بعض الأوضاع الخاطئة التي تسيء إلى السلطة التنفيذية، وتقدم لأعداء الوطن أسلحة للهجوم تستمد فاعليتها من الأخطاء سواء كانت مقصودة أو غير مقصودة.

وعلى سبيل المثال، لو أن الحكومة وضعت قضية الجزيرتين أمام الرأي العام قبل توقيعها لرصد ردود أفعال المواطنين عليها، لما وضعت نفسها في هذا المأزق الذي تواجهه حاليا.. ما بين معارضة جماهيرية واسعة، ربما لن يتضح حجمها إلا عند اللجوء للاستفتاء الشعبي، لحسم الخلاف في الشارع المصري، وبين انتظار السعودية لتنفيذ ما التزمت به الحكومة المصرية، وقد عبر أحد الكتاب السعوديين عن هذا الموقف بقوله إن صدور الحكم لا يلزم المملكة، التي وقعت الاتفاقية، وإنما شأن مصري بحت، بينما يعبر كاتب سعودي كبير عن موقف عقلاني هو ماهر العطوي بمقولة: "إن تاريخ السعودية الكبير وتاريخ مصر أكبر من قطعة تراب وسط البحر".

الجريدة الرسمية