رئيس التحرير
عصام كامل

فى لبنان .. تفاءل علشان "الطاولة" تطلع حلوة!


لم يكن أكثر المتشائمين فى لبنان يتوقع أن يعلن رئيس الحكومة نجيب ميقاتى استقالة الحكومة فى هذا الوقت, وبخاصة بعد أن تم احتواء حادثة الاعتداء على بعض مشايخ دار الإفتاء فى بيروت قبل أسبوعين, وبعد أن تجاوزت الحكومة أزمات متعددة عرضتها للاستقالة منها اغتيال رئيس فرع المعلومات السابق قبل شهور قليلة.


استقالة الحكومة بررها رئيس الحكومة المستقيلة بأنها جاءت لعدم التوافق على قانون انتخابى ولعدم موافقة فريق 8 آذار (حزب الله والتيار الوطنى الحر وحلفائهم) على التمديد لشخصية أمنية معروفة فى شمال لبنان والتى تنتمى للطائفة السنية – اللواء أشرف ريفى – مدير الأمن العام الذى ستنتهى فترة ولايته, لأن 8 آذار اعتبرت الإصرار على التمديد للواء أشرف ريفى ابتزازاً من فريق 14 آذار من خلال (أو "برسم" وفقاً للهجة اللبنانية) رئيس الحكومة نجيب ميقاتي. واعتبر رئيس الحكومة أن الاستقالة ستفتح باب الحوار من جديد بين الفرقاء حول حكومة إنقاذ وطنى وحول قانون انتخابى يضمن تمثيل أفضل للبنانيين.

ورغم أن الكثير من الناس لم يكن يتوقع استقالة الحكومة, فإن الاستقالة لم تكن صادمة, ولعل هذا ما يميز لبنان, فقد تعود الناس على ذلك, فوجود الحكومة مثل عدم وجودها, فالمواطن لا يشعر فى حقيقة الأمر بها, فالأوضاع الأمنية تتفاقم فى الشمال وفى بيروت من حين لآخر, والأحوال المعيشية من سيئ لأسوأ.

قد يكون السؤال – إذاً – لماذا يخاف البعض من استقالة الحكومة؟ لأن الحكومة كانت كورقة التوت التى تحمى الجسد للبنانى من الفراغ هذا من ناحية. كما أن وجود حكومة يعطى إيحاءاً للخارج بأن أهم مؤسسة فى الدولة مازالت تحتفظ بكيانها حتى وإن كان الكيان ضعيفاً أو باهتاً, فالقاعدة تقول إن المريض حى حتى وإن قارب نبض قلبه على التوقف.

أسباب استقالة الحكومة لم تقنع الكثير من اللبنانيين, بل رسمت مشهدا فكاهياً, بطله رئيس الحكومة المستقيلة. فمن يستمع إلى رئيس الحكومة وهو يتحدث عن آفاق الحوار وعن الطاولة التى تنتظر الفرقاء للاجتماع عليها, لن يتمالك نفسه من الضحك, فرئيس الحكومة كما يبدو اكتشف أن المشكلة ليس فى فرقاء صاروا فرقاً بسبب أزمة سوريا, أو فى فريق يعتبر حزب الله دويلة تمتلك سلاحًا خارج سلطة الدولة, وفريق يعتبره حزب الله يؤيد أمريكا وإسرائيل ويعمل ضد المقاومة فى لبنان, وأن المشكلة ليست فى أحزاب وكتل سياسية يمكن أن تذبح حكومة – أية حكومة – حتى لو كان ذلك على حساب حياة الناس اليومية, طالما كان المقابل هو إفشال الفريق السياسى الموجود فى الحكومة. رئيس الحكومة المستقيل اكتشف أن المشكلة الحقيقية هى أنه لم يكن هناك "طاولة ومقاعد" للحوار ليجلس الفرقاء عليها.

السؤال الذى فرضته استقالة الحكومة فى لبنان يتعلق بالسيناريو القادم. قراءة بسيطة للشد والجذب حول قانون الانتخابات تقول بأن الانتخابات النيابية (البرلمانية) لن تجرى فى موعدها فى يونيو القادم, لأن الفرقاء الذين كانوا قاربوا على التوافق على قانون انتخابى بعيدا عن طاولة الحوار لن يتفقوا على قانون انتخابى على الطاولة لأن هناك أحزابًا قد تغير موقفها مثل حزب الكتائب وحزب القوات اللبنانية, فهما سيرفضا القانون الذى سبق وأن وافقا عليه بعد استقالة الحكومة. وقد يقول البعض بأن حزب الله قد يستخدم ورقة قانون الانتخاب للذهاب بعيدا بقضية سلاح المقاومة, وهو سيناريو لم يعد ممكنًا مع ما يحدث فى سوريا, وبخاصة أن استقالة الحكومة أنعشت فريق 14 آذار من جديد (تيار المستقبل, وحلفائه), ولا سيما وإن البعض يرى أن استقالة رئيس الحكومة "نصرة" لطرابلس وللسنة هناك, وأن رئيس الحكومة تاب إلى الله وعاد إلى طائفته السنية بإصراره على التجديد لمدير إدارة الأمن العام, وهو ما صبغ الاستقالة بصبغة طائفية كان على رئيس الحكومة المستقيلة أن يتجنبها.

أغلب الظن أن لبنان يتجه وبشكل واضح إلى فراغ سياسى طويل يدفعه إلى ذلك تشابك القضايا العالقة بين الأطراف اللبنانية وعدم وضوح الموقف فى سوريا, وتصاعد حدة الاشتباكات من حين لآخر بين "أبناء" طرابلس فى الشمال. خطورة الفراغ السياسى هو أن عدم وجود حكومة يسهل مهمة من يسعى لإحداث فتنة طائفية.

وبعيدًا عن مسرحية استقالة الحكومة التى ظهر فيها رئيسها المستقيل وكأنه يطلب من اللبنانيين أن "يبتسموا .. ويتفاءلوا" علشان "طاولة الحوار" تطلع حلوة, فإن معظم اللبنانيين - الذين لا يكفرون بالحياة السياسية مهما يحدث لهم – يعرفون أنه لا أمل فى حوار بين "طوائف" تتصارع سياسياً, وتتراشق إعلامياً, وأن الحوارات والحكومات التى لا تقوم على أسس ومبادئ راسخة سرعان ما تتهاوى.

اللبنانيون – رغم كل ما يحدث لهم منذ عام 1975 - يحبون التحدى ويدفعون عن أنفسهم الخوف من الفتنة الطائفية بالصلاة إلى الله أن يحميهم من المؤامرات, وكأنهم يرددون كلمات الشاعر المبدع أيمن بهجت قمر والمطرب الرائع جوزيف عطية: "هانعيش..هانعيش.. لينا رب...فيه أو مافيش لينا رب".

الجريدة الرسمية