رئيس التحرير
عصام كامل

المحكمة قالت: ستر التنازل


الحكم بمصرية تيران وصنافير، أثلج صدور الذين عانوا وهتفوا وسُجنوا خلال الشهرين الأخيرين -بعد توقيع اتفاقية التنازل عن الجزيرتين– وجاء منطوق حكم محكمة القضاء الإداري في الطعن على قرار الحكومة بالتنازل عن جزيرتي «تيران وصنافير»، ليؤكد أن الجزيرتين مصريتان وتخضعان للسيادة الوطنية المصرية. وأقر الحكم باستمرار السيادة المصرية على الجزيرتين، وعدم أحقية الحكومة في التنازل عن الحدود البحرية.


بالرغم من تهليل البعض أن لمجلس النواب فقط الحق في البت في الموضوع كما نشرت مانشيتات بعض الصحف، بشكل يقفز منه الانحياز الفج للحكومة، وكما لو كان البعض يلوذ بالبرلمان ليبت بالموافقة على عكس الحكم الصادر، اعتمادا على أنه ليس حكما نهائيا واستنادا للطعن المقدم من الحكومة على قرار القضاء الإداري.

وحقا لا أستطيع أن استوعب كيف يمكن للحكومة المصرية أن تطعن على قرار المحكمة الذي يؤكد مصرية قطعة من أرضنا؟ هل بهذه البساطة يمكن أن يسطر التاريخ أن حكومة شريف إسماعيل طعنت على الحكم لتتنازل عن جزء من الأرض لدولة أخرى؟ حتى لو تم إلغاء القرار الإداري والحكم بعكسه بعد الطعن سيسجل التاريخ أن صراعا بين أبناء الوطن الواحد كان لتسليم جزء من الأرض وليس للحفاظ عليه.

وفى تقديرى أنه ما كان يجب على الحكومة الطعن على الحكم، لأن ذلك يخلق مشروع صراع بين الأجيال القادمة في الدولتين مستقبلا والمنطقة لا تحتمل. ويكفى ما أنتجته الاتفاقية من انقسام وتخوين بين المصريين، استنادا لأن الاعتراض على الاتفاقية بمثابة اعتراض على الرئيس، وكأن الاعتراض على أي قرار من قرارات الرئيس هو أمر ضد الأمن القومى. وهو ما يجافى كل الأسس والنصوص الدستورية التي تقضى بالحق في حرية الرأى والتعبير طالما كان سلميا يخلو من التحريض. ورغم انقسام المصريين حول الاتفاقية ، والذي تصور البعض خطأً أنه انقسام حول شرعية الرئيس وليس قراره، إلا أن الحكم يمنح الفرصة لاستعادة حالة الاصطفاف للمصريين، وعلينا أن نستغل ذلك للقضاء على المناخ المحتقن الذي تغذيه الحكومة للأسف بطعنها على القرار.

والمدهش في الأمر أن الحكومة ممثلة في كل وزاراتها وأجنحتها التنفيذية طالما نادت الالتزام بالدستور، فكيف تخرق الدستور وهذا ليس من عندي وإنما جاء في حيثيات الحكم نصا ما يلى:
"يحظر إلزاما -بحكم الفقرة الأخيرة من المادة 151 من الدستور الحالي- التنازل عنهما، ومن ثم يكون ما قام به ممثل الحكومة المصرية من التوقيع على الاتفاقية ترسيم الحدود، والتي تضمن التنازل عن الجزيرتين بحجة انها تقعان داخل المياه الإقليمية السعودية قد انطوى على مخالفة جسيمة للدستور تبطله، وذلك على الرغم من محاولة ستر هذا التنازل المحظور خلف اتفاق على ترسيم الحدود البحرية".

ويجب هنا أن تستوقفنا عبارة "محاولة ستر التنازل خلف الاتفاقية "، والتي تحمل الكثير في معانيها لمن يعلمون أو يفكرون، ولمن يجب عليهم تصحيح ما يفعلون لننقذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان، فما عادت مصر تحتمل مزيدا من الخلافات، وما عادت تحتمل مزيدا من التشبث بالرأى الواحد، وإقصاء المعارضين تحت دعاوى أن بينهم مندسين من أهل الشر، فالحقيقة أن أهل الشر هم من يصمتون ولا يتقدمون بالمشورة الأمينة وقت الحاجة إليها ويتركون الساحة للانتهازيين.

كل ما سبق يمنح فرصة ذهبية للرئيس السيسي لامتصاص أجواء الاحتقان بالإفراج عن كل الشباب المحكوم عليهم بالتظاهر بشأن جزيرتى تيران وصنافير بعفو رئاسي، لأن دلالة الحكم الأخير، تنفي كل الاتهامات الموجهة إليهم، حتى لو لم يأت الحكم التالى مؤيدا له، يكفى أن حكم أول درجة أثبت جدلية الاتفاقية حتى في دور القضاء ، وهو ما يبرر العفو عن أولئك الشباب الذين كانت كل تهمتهم الانتماء للأرض.
الجريدة الرسمية