رئيس التحرير
عصام كامل

نجل الشيخ عبد الباسط عبد الصمد: نعم أعيش في «جلباب وعباءة والدي»

فيتو

  • >> والدى كان شاهدًا على اغتيال السادات
  • >> عبد الناصر طلب والدى لقراءة القرآن في حفل افتتاح السد العالى
  • >> كان يعزف على العود ويحب محمد عبد الوهاب ويحضر حفلات أم كلثوم
  • >> لقب بقارئ مكة وقارئ الحرم ونال العديد من الأوسمة والنياشين من جميع دول العالم


أدارت الحوار: إيمان مأمون – محمود عثمان
أعدته للنشر: منى محمود

حباه الله بحنجرة ذهبية وصوت عذب رنان، يرتل القرآن ويجوده بإمكانيات ومقامات عديدة، لقب بالعديد من الألقاب منها "قارئ مكة" عاصر العديد من الرؤساء وكان مقربا من عبد الناصر والسادات وزار جميع دول العالم عدا روسيا تلبية لدعوة الجاليات العربية بها، ولايخلو بيت من البيوت من صوته الرنان الذي يحرص الجميع من عشاقه على سماعه يوميا خاصة في شهر رمضان المبارك، إنه القارئ الشيخ عبد الباسط عبد الصمد.
استضاف "صالون فيتو" اللواء طارق نجل الشيخ الراحل عبد الباسط عبد الصمد، الذي ورث عن والده عذوبة الصوت، وتمكن من الجمع بين العمل كضابط في وزارة الداخلية، وقراءة آيات الذكر الحكيم، ليحكى لنا عن ذكرياته مع والده.

*بداية.. متى انتقل والدك من أقصى الصعيد إلى القاهرة؟
كان والدى قارئًا مشهورًا في الصعيد، فقد بدأ قراءة القرآن الكريم وهو في العاشرة من عمره، وفى عام 1952 حينما كان في مطلع العشرينيات قرر الحضور إلى القاهرة بمصاحبة أهل بلدته بقنا لحضور مولد السيدة زينب، وأثناء الاحتفال بالمولد رأى إمام مسجد السيدة زينب وهو شيخ من الصعيد، فطلب الأخير من الوالد قراءة قدر من القرآن لمدة عشرة دقائق، وكان الزحام هو سيد الموقف في المولد فجلس الوالد على "الدكة" وعندما بدأ في القراءة عم الصمت المولد خاصة أن أسلوبه كان جديدًا في القراءة، وبعد قليل بدأ الصمت يتحول إلى صيحات إعجاب وتقدير لهذا الصوت، واستمر في القراءة لمدة ساعة ونصف الساعة وكانت هذه هي البداية، وبعد عودته إلى الصعيد تلقى اتصالًا يخبره بأنه تم اعتماده في الإذاعة المصرية لأن إمام مسجد السيدة زينب كان قد سجل له صوته في المولد، وبعد عمله في الإذاعة انتقل للسكن بجوار السيدة زينب، ثم تنقل بعدها ما بين المنيل والروضة والحلمية، ثم جاردن سيتي عام 1959 وبعدها إلى العجوزة في الستينيات حيث استقر هناك.



*ما هي أبرز الصفات التي كانت تميز الشيخ عبد الباسط عبد الصمد كوالد؟
لقد كان الوالد حازما في المنزل خاصة فيما يتعلق بالصلاة والصوم، وكان يحرص على التزامنا بتعاليم الدين، فضلًا عن حرصه على دفعنا للنوم مبكرًا، وعدم الخروج والسهر خارج المنزل بعد الساعة التاسعة، وكان عقابه شديدا إذا ما أخطأ أحدنا، ولكنه في الوقت ذاته كان يلاطفنا ويتقرب منا فقد تزوج وهو في التاسعة عشر من عمره، لذا فقد كان عمره متقاربا معنا وكان دائمًا ما يحكى لنا عن قصة كفاحه.

*ما سر لقب "مارلون براندو العرب" الذي أطلق على الشيخ عبد الباسط عبد الصمد؟
كان الوالد مؤمنا أن قارئ القرآن الكريم لابد أن يظهر بمظهر جيد، ويرتدى ملابس تليق بما يفعله، وأيضًا كان يسعى من خلال ذلك إلى تغيير الصورة الذهنية المتكررة في أذهان الناس والتي يعززها الإعلام عن قارئ القرآن الكريم، وبالفعل نجح في تغيير هذه الصورة، كما أنه كان وسيمًا ويحرص على وضع العطور، ويحب دائمًا ارتياد أفضل الفنادق والسفر على الدرجة الأولى.

*وماذا عن لقب معبود النساء وقارئ مكة؟
كان هذا يرجع لشكله الجميل، كما أنه كان نجما في عصره، وأى مشهور له معجبون من السيدات والرجال، وكان هناك من يرسل له خطابات من المعجبين وكان يحرص على الرد عليها، وكانت هذه الأمور تتسبب في عدة مشكلات في المنزل خاصة حينما كانت تزيد عن الحد، ولكن كل الأمور كانت "بتعدي"، أما فيما يخص لقب قارئ مكة فإنه أطلق عليه لأنه أول مصري يقرأ القرآن الكريم في الحرمين الشريفين، حينما كان متواجدًا بمكة في موسم الحج، بناء على طلب من السلطات السعودية، كما قام بتسجيل القرآن الكريم في الإذاعة السعودية.

*هل كان الوالد يحب الغناء ويطرب بأم كلثوم وعبد الوهاب؟
الشيخ عبد الباسط كان وسطيا ولا يحب التشدد، فقد كان يحب الطرب والأصوات الجميلة، كما أنه كان يعزف على العود، وكان يحب محمد عبد الوهاب وفيروز ووديع الصافى وصباح فخري،ويحرص على حضور بعض حفلات كوكب الشرق أم كلثوم في الأوبرا، حتى إن بعض مذيعي حفلات أم كلثوم وهو جلال معوض كان يقول "وأرى عمامة في أحد الصفوف وهى عمة الشيخ عبد الباسط عبد الصمد"، كما أنه كان يمتلك اسطوانات "هندي"، وذهب ذات مرة إلى الهند وقدم حفلة في الاستاد لكثرة محبيه، كما حضرت أيضًا أنديرا غاندى لسماع القرآن الكريم في هذا الحفل.

*ما رأيك في قراء القرآن الكريم من الجيل الحالي مقارنة بالشيخ عبد الباسط عبد الصمد وجيله؟
كان هناك خمسة قراء ظهروا مع بعضهم البعض في الإذاعة المصرية في فترة معينة، وهم الحصري ومصطفى إسماعيل والبنا، والمنشاوى والوالد، ولقد التحق هؤلاء بالإذاعة مع بعضهم البعض، وقاموا جميعا بتسجيل القرآن الكريم، وكانوا مخلصين والقرآن كان حياتهم، ولم يكن لديهم عمل آخر غيره، فضلًا عن قلة عددهم، وكانوا نجوما في عصرهم، وحتى بعد انتقالهم، أما الجيل الثانى فلم ينالوا نفس الشهرة والمكانة، لأن "جيل زمان" لا يعوض فلم تكن بينهم منافسة، بل علاقة صداقة وكان الاحترام هو السمة السائدة بينهم.

*ما هي أهم الدول التي سافر الوالد إليها وما هي أهم النياشين التي حصل عليها؟
سافر الشيخ عبد الباسط عبد الصمد إلى جميع دول العالم عدا روسيا وإيران وتركيا، وكان أول مقرئ يذهب إلى جنوب أفريقيا عام 1966 فقد كان يحب السفر والترحال، وكان "دولابه" مملوءًا بجوازات السفر، وكان يحصل على تكريم من الدول التي يزورها، وأتذكر أنه في سوريا حصل على وسام الاستحقاق ووسام الكفاءة الفكرية، ومن باكستان حصل على وسام باكستان الذهبي، بالإضافة إلى أوسمة أخرى ووسام الاستحقاق في عهد الرئيس مبارك.

*وماذا عن ذكريات الشيخ عبد الباسط عبد الصمد مع الملوك ورؤساء مصر؟
بدأ الوالد قراءة القرآن الكريم في الإذاعة في عهد عبد الناصر، وقد طلبه عبد الناصر في حفل افتتاح السد العالى بقراءة القرآن الكريم، أما الملك محمد الخامس، ملك المغرب، فقد كان يعشق صوت الوالد وكان يطلبه حينما يأتى إلى مصر للاستماع إلى تلاوته لآيات الذكر الحكيم وعرض عليه الحصول على الجنسية المغربية، ولكن والدى اعتذر عن هذا لاعتزازه بالجنسية المصرية وبوطنه مصر الذي عاش على أرضه ونشأ فيه وشكره على عرضه، أما الرئيس السادات فقد كان يحب الاستماع إلى قراءة الوالد، حتى أنه دُعى لقراءة القرآن في احتفالات نصر أكتوبر أو يوم حادث المنصة الذي اغتيل على إثره الرئيس السادات، في البداية اعتذر والدى عن الحضور لارتباطه بالتزام في الإسكندرية، ولكن الرئاسة أكدت له أنه سيقرأ القرآن في البداية، وبعدها يمكنه الرحيل إلى الإسكندرية، ولكن بعد انتهاء والدى من قراءة القرآن أكد له أحد الضباط من الرئاسة صعوبة الخروج من المنصة إلا بعد إنهاء العرض العسكري نظرًا لإغلاق كافة الأبواب، فاستمر جلوس والدى في المنصة حتى وقع حدث الاغتيال الذي كان شاهدًا عليه، ولكنه لم يتعرض للإصابة وذهب مع وزير الصحة في سيارته، وظل لفترة ليست بقصيرة متأثرًا بهذا الحادث، أما مبارك فكرمه في يوم الدعاة عام 1986.

*كيف كانت علاقة الشيخ الراحل بالأقباط؟
كان لدينا جيران مسيحيون في الصعيد وفى القاهرة، وكانت الزيارات بيننا وبينهم دائمة، وكنا نجاملهم في الأفراح والأحزان، وكنا نلعب مع الإخوة المسيحيين، كما أن هناك أقباطا يحبون الاستماع إلى صوت والدى خاصة سورة مريم، فضلًا عن أن أحد أقرب الأصدقاء إلى والدى كان قبطيا وهو الدكتور وصفى بطرس.

*هل كانت هناك خلافات بين الشيخ عبد الباسط وجماعة الإخوان؟
لا كان والدى بعيدا عن السياسة تمامًا، ولكن جماعة الإخوان حاولت إقناعه بالترشح لمجلس الشعب ولكنه رفض، فقد كان متفرغًا لقراءة القرآن الكريم.

*وكيف كانت وفاته؟
تعرض لحادث سيارة في الصعيد عام 1986، فأصيب بانفجار في قرنية العين وارتفع السكر، بعدها سافر إلى أمريكا لزراعة عدسة، ولكن مع تدهور صحته تجددت آثار مرض قديم لديه في الكبد، وكان الدكتور إبراهيم بدران صديقه نصحه بالسفر إلى لندن وظل هناك 15 يومًا، ولكنه قال لى ونحن في العاصمة الإنجليزية إنه يشعر باقتراب الموت وأكد على رغبته في العودة إلى مصر، وبالفعل عدنا وانتقل بعد ذلك بأسبوعين إلى رحمة الله.

*هل تعيش في جلباب والدك وفضلت أن تستكمل مسيرته في قراءة القرآن على العمل بالشرطة؟
نعم وأنا سعيد بأننى أعيش في عباءة الوالد، وللعلم فأنا بالفعل ارتدى عباءته التي كان يرتديها، وكذلك سبحته لكى أحظى بالبركة.

*هل سهلت لك شهرة الوالد الكثير من الأمور في حياتك؟
بالطبع كانت شهرته تيسر لى ولإخوتى الكثير من الأمور وكنا نستفيد منها في مختلف المجالات، ولكن هذه الشهرة كانت تضع سلوكياتنا وتصرفاتنا دائمًا تحت الأضواء.

*حدثنا عن نفسك، لماذا اخترت كلية الشرطة لتستكمل بها مسيرتك المهنية وهل كان في ذهنك الجمع بين وظيفتك وقراءة القرآن؟
لقد ترك لنا الوالد مطلق الحرية ولم يفرض رأيه علينا فيما يخص حياتنا ومستقبلنا المهنى والدراسى، ودخلت انا وإخوتى ثانوى عام، واخترت كلية الشرطة وحينها دعا لى الوالد أن يوفقني الله في أي مجال ألتحق به لأنه لم يكن يرغمنا على شىء فيما يخص مستقبلنا المهنى، والحمد لله التحقت بالشرطة وقضيت في وظيفتي فترة كبيرة، وبعد انتقال الوالد إلى رحمة الله عام 1988، التحقت بمعهد القراءات التابع للأزهر الشريف، وحصلت على إجازة التجويد واعتمدت في نقابة قراء القرآن الكريم وذلك بغرض إصقال الموهبة بالدراسة، وقررت أن أترك وظيفتي كضابط شرطة وذهبت إلى الوزير اللواء عبد الحليم موسى وحدثته عن رغبتي في الاستقالة لأستكمل مسيرة الوالد خاصة أنه ترك لنا وصية باستكمال مسيرته وخدمة القرآن، فقال لى الوزير بأن استمر في وظيفتي وأقرأ القرآن الكريم وأنه لا يوجد مانع على العكس هذا سيساهم في تغيير الفكرة عن الشرطة، والحمد لله استمريت في هذا بالفعل.

متى أتممت حفظ القرآن الكريم كاملا؟
لقد أتممت حفظ القرآن الكريم وأنا في الخامسة والعشرين من عمرى، ولقد كنا نحفظ أجزاءه بالتوازى مع الدراسة.

*هل قدمت للالتحاق بالإذاعة المصرية؟
لا لم ألتحق بالإذاعة ولكننى سجلت القرآن الكريم كاملًا مرتلًا عن رواية حفص بن عاصم في قناة المجد، وسجلته مرة أخرى برواية قالون عن نافع التي يقرأ بها أهل المغرب والجزائر وتونس.

*وماذا عن الأبناء في العائلة.. هل ورث أحدهم ملكات الجد عبد الباسط عبد الصمد؟
لقد ورث أحفاد الشيخ عبد الباسط عبد الصمد حب القرآن عنه، ويحفظون القرآن على يد محفظ.

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لــ "فيتو"
الجريدة الرسمية