رئيس التحرير
عصام كامل

مسلسلات رمضان.. لماذا يتم تشويه كل جميل ؟


المال لا يعرف دينا، ولا يعترف بحنين أو ذكريات، أفكار وقيم لا تقدر قيمتها، لغة البيزنس تعتمد على المبدأ الحسابي لا أكثر، ما يحبه الناس ويريدونه يجب أن يقدم لهم، بذلك نضمن عائدا قويا يتحول في النهاية إلى ملايين الدولارات التي تعتق كالخمر في البنوك.


بعض الأشياء غير قابلة لتلك الحسبة البيزنسية من الطراز الأول، يصعب تقييمها، لأنها مرتبطة بوجدان أشخاص قد يكونوا رحلوا، أماكن تغيرت رائحتها في عصر الاتصالات، وبالتالي أي محاولة لصنع الوجدان حتى لو تم صرف ملايين الجنيهات هو أمر فاشل.

وفي مصر ولأننا خرجنا من التاريخ منذ زمن أصبح جميلا في عصرنا هو ماض، ذكريات نحاول أن نتمسك بها، لا نفرط في شبرًا منها إلا أن منتجي الأعمال الدرامية والإعلانات أصروا أن يعقدوا الصفقة الفاشلة -من وجهة نظري - واختاروا شهر رمضان الكريم ليكون الموعد على اعتبار أن فرص النجاح تزداد في هذا الشهر، وقدموا ما يريدون فوجدنا جزءا جديدا من ليالي الحلمية، وعودة بكار، وماما نجوى والكيف.

ورغم اعترافي بأن كثيرًا ممن شاركوا في تلك الأعمال هم فنانين من الطراز الأول، فإنهم تعاملوا بمنطق لغة المال، واعتمدوا على حنين فئة كبيرة من المصريين لتلك الأعمال القديمة لكن لأنه منطق المال لا أكثر غاب عنهم الكثير.

حين سُئل أسامة أنور عكاشة عن ملحمته ليالي الحلمية رد إنه يريد تسجيل تاريخ مصر خلال ثلاثة عقود من 1969-1989 وبالتالي جاءت أجزاؤه متسلسلة تحكي تاريخ مصر، كان تلك الحلقات كتابا حقيقيا لمن يريد معرفة التغيرات التي طرأت على الشعب العربي بأكمله، ووفق الكاتب الصحفي محمود الكردوسي فإن صفوت الشريف وقت أن كان وزير إعلام لم يستطع منع أي حلقة لأنها كانت مطلبا عربيا حتى إنه حين سافر للعراق وقت صدام حسين سأله الأخير عن موعد الجزء المقبل من تلك الملحمة.

نجح «عكاشة» في إيصال رسالته ومن منطلق هذا الحنين جاءت فكرة جزء آخر يحكي عن ما حدث، ليت الأمر بتلك البساطة، فجيل الثمانينيات الذي تابع تلك الحلقات بشغف لم يعد يملك نفس الأمر بعد أن أصبحوا أرباب أسر، ناهيك عن أن المدة الزمنية طويلة والأحداث بعد 2011 تحتاج إلى ليال وحدها.

الارتباط بليالي الحلمية أيضًا كان جزءا منه ارتباط بالفترة الزمنية التي عرض فيها، المسلسلات التي تعرض معه، أفيشات الأفلام الجديدة، تجمع رب الأسرة وحوله أولاده وزوجته، الحياة المادية كانت تسمح لأن يجلس الرجل ساعة ليشاهد فيها مسلسلا، الندرة في إنتاج مثل تلك الأعمال جعل لها رونقًا خاصا، التزام فنانوه بدورهم الفني دون الدخول في آراء سياسية جعل لهم مصدقية، تصوروا أن العودة في مجرد حلقات فقط.

بنفس العقلية تم التعامل مع مسلسل الكيف أحد أروع الأعمال في تاريخ السينما المصرية، استعانوا بفنانين– بعضهم موهوب – لكنهم أرادوا استنساخ الأمر، دون النظر إلى أن عبقرية محمود عبدالعزيز غير قابلة للتكرار في هذا الفيلم، أو أن «البهظي بيه» غير قابل للحدوث مرة أخرى.

كان أحد التجارب التليفزيونية الناجحة هو برنامج ماما نجوى، صاحب الفضل على جيلي الثمانينيات والتسيعينيات في تعلم الأخلاق وكيف تصبح مواطنًا جيدًا، عادت ماما نجوى مع بقلظ مصطنع لكن ما أدهشني أنه جاء ليقوم بدعاية لأحد المنتجات !

حين تحولت أغاني أم كلثوم إلى مهرجانات شعبية مثل «فات الميعاد» كانت النتيجة هي أن أخي الصغير لم يعرف أن الأغنية لكوكب الشرق وإنما لأحد فرق المهرجانات الشعبية، ظل على هذا الحال حتى ضغطت عليه في سماع الأغنية الأصلية، بتلك القاعدة سيشاهد الجيل الجديد تلك الأعمال على أنها جديدة، سيتوارى القديم، ويصبح الحديث هو الأصل، أما عمن يعرف تلك الأعمال فسيظل يسأل لماذا يتم تشويه كل جميل ؟
الجريدة الرسمية