رئيس التحرير
عصام كامل

«كلاي» وضربات القدر


بعد رحلة طويلة مع النجاح ثم المرض توفي الأسطورة محمد على كلاي، أشهر ملاكم عرفه العالم مهنية وأخلاقا عن عمر يناهز 74 عاما، وأشهر من قام بتوجيه الضربات القاضية لخصومه، بضربة قاضية للقدر هذه المرة.


كان كلاي الفائز بلقب بطولة العالم في الوزن الثقيل ثلاث مرات قد اعتنق الإسلام عقب فوزه بأول ألقاب العالم في عام 1964، وقد تعرقلت مسيرته الرياضية لأكثر من ثلاث سنوات، حين رفض أداء الخدمة العسكرية في الجيش الأمريكي، أثناء حرب فيتنام.
وقد تقاعد كلاي عام 1981، بعد أن فاز في 54 مباراة من أصل 61 لعبها، وذلك عقب هزيمته في مواجهة لاري هولمز عام 1980 وتريفور باربيك عام 1981، وأطلقت عليه البي بي سي لقب "شخصية القرن الرياضية"، وفي عام 1984، أصيب بداء باركنسون (الشلل الرعاش)، وذلك بعد أربع سنوات من اعتزاله الملاكمة.

وربما لايعرف الكثيرون أن الجانب الشخصي لكلاي كان شديد الخصوبة أيضا فهو أب لسبع بنات وابنين من 4 زوجات، كما اشتهر كلاي بنشاطه في مجال الحقوق المدنية، مثلما عرف بكتابته للشعر، وكان ملتزما، يصلي ويصوم، وأدى فريضة الحج، كما ساهم في تحرير 15 أمريكيا احتجزهم صدام حسين بالعراق عام 1990.

وبعد إعلان اعتناقه الإسلام عام 1965 غير اسمه إلى اسم جديد وهو "محمد على" فقط دون اسمه الأخير "كلاي" لأنه كان اسم العبودية المطلق عليه، ويعني الطين باللغة الإنجليزية، وكان وراء تلك الحركة المفكر الأمريكي مالكوم إكس، الذي كان صديقا مقربا وحميما له، وكان له موقفا معروفا من الحرب في فيتنام، حيث قال وقتها جملته الشهيرة: "هذه الحرب ضد تعاليم القرآن، وإننا - كمسلمين - ليس من المفترض أن نخوض حروبًا إلا إذا كانت في سبيل الله ورسوله"، كما أعلن في عام 1966: "لن أحاربهم - قاصدًا فيت كونج الجيش الشيوعى في فيتنام - فهم لم يلقبونني بالزنجي"..

وفي عام 1967 وفي قمة انتصاراته في عالم الملاكمة، تم سحب اللقب منه، بسبب رفضه الالتحاق بالخدمة العسكرية في جيش الولايات المتحدة أثناء حرب فيتنام، اعتراضًا منه على الحرب شأنه شأن الكثير في ذلك الوقت، قبل أن يعود للملاكمة مرة أخرى عام 1970 في مباراة وصفت بأنها (مباراة القرن) ضد جو فريزر، حيث لم تسجل هزيمة لأي منهما في أي مباراة من قبل، وكانت مباراة من 3 مباريات متفرقة فاز محمد على باثنتين منها.

وفي عام 1974 هزم "محمد على" الملاكم القوى فورمان، ليستعيد بذلك عرش الملاكمة في الولايات المتحدة الأمريكية والعالم بأسره.
وقد لاقي فيديو شهير أعيد بثه العام الماضي إعجاب المتابعين على يوتيوب، حيث يظهر في لقاء تليفزيوني ويوجه له أحد الأطفال سؤالا عما سيفعله بعد أن يتوقف عن الملاكمة، فرد "محمد على" بهدوء قائلا أنه يستعد لملاقاة الإله مضيفا أن تملك العقارات وإدارتها أو التفرغ للتدريب لن يدخله الجنة، وانتهز الفرصة للحديث حول واقعية وجود الله وحكمته في الخل،ق مستخدما الجدلية الشهيرة لسيدنا إبراهيم في الخلق، وهو ما أثار إعجاب الحاضرين بما فيهم الملحدون، وكان كلاي يتحدث في كل مناسبة إعلامية عن القدر، وعدم خوفه من الموت باعتباره قدرا محتوما سيواجهه بشجاعة وإيمان.

لقد توفي الأسطورة الذي اشتهر بالضربة القاضية التي يوجهها لخصومه، والتي يسقط الملاكم الخصم من بعدها دون أن يقوى على الحركة، بعد أن منحه القدر ضربته القاضية هذه المرة في مباراة لم ينجح أحد حتى الآن في مواجهتها.. توقف قلب من كان يصف نفسه بـأنه "يطير كالفراشة ويلسع كالنحلة"، خصوصا وأنه كان صاحب أسرع وأقوى لكمة في العالم، حيث تعادل قوتها نحو 1،000 باوند.. لكن تظل الأسطورة شاهدة على حكاية أهم ملاكم عرفته البشرية على المستوي المهني والروحي.
الجريدة الرسمية