رئيس التحرير
عصام كامل

عبثية القوانين


يعاني شباب الخريجين المصريين منذ عقود من البطالة، وتقف الدولة بكل مؤسساتها عاجزة عن توفير فرص عمل كريمة كانت أو متواضعة لحاملي مؤهلات عليا من جميع الكليات النظرية منها والعملية، ولا نبالغ إذا قلنا تصل البطالة إلى خريجي المدارس الصناعية والتجارية "الشهادات متوسطة والفنية".


مما جعل وزارة القوى العاملة تبحث للشباب عن فرص عمل في دول أخرى كالخليج مثلا، لتلك الجموع من الشباب كبديل للسوق المصري المتشبع بالعمالة والمهدر للكفاءات إذا جاز التعبير.

حيث نجد أن القوى العاملة تضع آلافا من الخريجين في وزارات ومؤسسات الدولة كتكديس للشباب، لا كاستغلال طاقاتهم وتطبيق للعلم الحديث الذي تلقوه في الجامعات والمعاهد، فنجد خريج فنون جميلة قد وظفته القوى العاملة في وزارة الزراعة، وخريج تجارة وظف في وزارة الآثار والأمثلة عدة لتلك الطاقات المدفونة في الوزارات الحكومية.

فنجد الخريج الجامعي أضحى موظفا تقليديا يذهب للعمل في الصباح ويعود في الظهيرة بدون إضافة حقيقية للمواطن، فلا معاملات تقدم بسرعة فائقة، ولا خدمة تقدم للمواطنين تليق بجموع الموظفين، ولا تأثير لكثرة المعينين في إنجاز العمل وتطوره بل العكس صحيح حيث يغرق المواطن بين الموظفين وبيروقراطية المعاملات.

تخطى عدد السكان في مصر 90 مليون نسمة، وكثرة المواطنين تحتاج كثرة الموظفين لتقديم الخدمة الحكومية لهم، لكن الواقع هو مجرد تكديس للموظفين دون إضافة جودة أو مهنية عالية الأداء في الهيئات الحكومية، مما جعلهم عبئا حقيقيا على ميزانية الدولة، فنجد العمل التي يمكن أن يقدمه وينجزه مائة شخص في هيئة حكومية نجد مئات الموظفين يقومون بعمل البعض منهم، والباقون في إجازات مرضية، وأخرى عرضية، ومعظمهم سنوية، والسيدات في إجازة وضع، وإجازات بدون راتب، وإجازة المحظوظين من المعارين للخارج، وإلى آخره من الموظفين المحسوبين على ميزانية الدولة، التي تدفع الدولة رواتبهم دون أي عمل أو إضافة يقدمونها للبلد.

ولأننا تحدثنا عن الموظفين المحظوظين في إيجاد فرصة عمل في المؤسسات والهيئات الحكومية، "لا ننكر ضعف رواتب الموظفين، والذي نتج عن كثرة عددهم في بلد فقير كمصر"، ومن الإنصاف من لم يلحق بهم العمل "الميري" أصبحوا عاطلين.

تعلن آخر إحصائية من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2016 المعلنة تحديدا في أبريل من هذا العام، تحدد أن نسبة البطالة في مصر 12.8% بما يعادل 3.6 مليون شاب وفتاة بدون عمل "عاطلين عن العمل" وليس لهم دخل ثابت.

أثناء صدمة القارئ بهذا الرقم من العاطلين الخريجين، يجب أن يندهش أيضا بالبرلمان المصري غير المعايش لهذه الأزمة المدمرة لشباب المستقبل، الذي تناول في جدول أعماله وخاصة لجنة القوى العاملة الذي وافق على المادة 14 تحديدا من مشروع قانون الخدمة المدنية، التي تجيز توظيف غير المصريين في الحكومة المصرية بشرط أن يكونوا حاملي الجنسية العربية !

معللة اللجنة موافقتها وإجازتها لتلك المادة أن ملايين المصريين يعملون في الدول العربية، وإن لم يكن التعامل بالمثل سيتعرض المصريون العاملون بالخارج للضرر !

نذكر أن الرئيس السيسي أعلن أكثر من مرة أن عدد الموظفين الحكوميين قد بلغ 7 ملايين مصري، وهذا الرقم يمثل عبئا على الدولة التي في واقع الأمر لا تحتاج منهم سوى مليون موظف فقط لتأدية نفس ما يقوم بها السبعة ملايين من العمل، الأمر الذي جعل البعض يعتقد أنها إشارة من الحكومة أنها ستقوم بتسوية معاش الكثيرين والاستغناء عما يقارب 6 ملايين موظف مصري، محاولة من الحكومة تخفيف أعبائها المالية، وتقليص مهام العمل على عدد محدد من الموظفين لوقف البيروقراطية وهدر الوقت والمال بكثرة الدمغات والتوقيعات والمراجعات والطلبات غير المفيدة أو مطورة للعمل أو المنجزة له في أقل وقت.

بين ملايين العاطلين بالفعل عن العمل، والملايين ممن ستسرحهم الحكومة من الموظفين، نجد لجنة القوى العاملة في البرلمان المنوط به سن وتشريع قوانين من شأنها أن تخفف أعباء المواطن وتجد له حلولا لمشكلاتة والعمل على إنصافه، نجد البرلمان المصري يفكر في الجاليات العربية ويعمل على توظيفها في حكومة لا تجد ما تلبي به احتياجات شعبها الفقير!

أي عربي الذي يريد أن يترك وظيفته في بلده ويعمل في مصر "بالجنيه المصري الذي يعتبر أقل عملة عربية سواء أمام العملات العربية أو أمام الدولار"، وأي موظف عربي ذي كفاءة الذي سيترك العمل في بلده برواتبها المجزية والعالية ليعمل في مصر التي تعطي رواتب متواضعة لا تكفي سد أعباء واحتياجات الأسرة أو الفرد إلا للعشرة أيام الأولى من كل شهر، والتي بسببها يهرب المصريون للعمل في الدول العربية لإيجاد حياة أفضل أو لنقل حياة كريمة!

يجب أن نشير أن دول الخليج كالكويت والإمارات مثلا تقوم بعملية إحلال أبناء البلد بدلا من الموظف المستقدم للعمل من جميع أنحاء العالم والإبقاء على الكفاءات العالية المميزة الوافدة فقط أو الأيدي العاملة التي تحتاجها البلاد، فنجد مثلا المملكة العربية السعودية تقوم منذ سنوات بـ"السعودة" وهي إحلال الأيدي العاملة السعودية بدلا من الأيدي العاملة المستقدمة من دول العالم، ومصر من بينهم، بإجبار شركات القطاع الخاص والحكومي على تسريح العمالة غير السعودية وإحلال السعوديين في سوق العمل لرفع مستوى الدخل للمواطن السعودي بمنحه فرص عمل في بلاده مقدمة على الوافد.

إلا إذا كنا بصدد قانون يخص شعوب البلدان العربية المنهارة، مثل ليبيا وسوريا واليمن ! فـأي منطق يجعل مصر بلدا مضيفا على حساب شعبه !

وأي منطق يجعل البرلمان المصري يبحث عن وسيلة لمساعدة أبناء شعوب عربية تتعرض بلادهم للدمار، تخلت عنهم الحكومات العربية الغنية ويثقل بهم كاهل الاقتصاد المصري المنهك والحكومة المصرية الفقيرة !
الجريدة الرسمية