رئيس التحرير
عصام كامل

مصعب بن عمير «صحابي» بدرجة سفير

مصعب بن عمير
مصعب بن عمير

غرة فتيان قريش وأوفاهم جمالا وشبابا، يصفه المؤرخون والرواة فيقولون: "كان أعطر أهل مكة"، إنه مصعب بن عمير العبدرى القرشي، أول سفراء الإسلام، وأحد الذين رباهم النبي صلي الله عليه وسلم.


عرف مصعب بن عمير أو مصعب الخير كما كان يلقبه المسلمون، بأناقة المظهر ورجاحة العقل، والتي كانت إحدى خصاله التي تفتح لها القلوب والأبواب، وأسلم في دار الأرقم بن أبى الأرقم، بعدما انسابت آيات القرآن الكريم إلى فؤاده، وكتم إسلامه عن أمه "خنّاس بنت مالك" التي كان يهاب منها القوم حد الرهبة.

أفشى عثمان بن طلحة سر إسلام مصعب بن عمير أمام أمه وأهله، بعد أن رأى مصعب يدخل خفية إلى دار الأرقم ويصلى كصلاة النبى محمد، صلي الله عليه وسلم، حيث واجه مصعب غضب أمه وعشيرته، وتلا عليهم آيات الذكر الحكيم، وما أن سمعته أمه ينطق بكلام الرسول، حتى همت أن تسكته بلطمة قاسية على وجهه، ولكنها لم تستطع.

وحكمت خنّاس بنت مالك على ابنها بالحبس في دارها، ثأرا للآلهة التي هجرها مصعب، حيث ظل رهين محبسه، حتى علم بهجرة بعض المؤمنين إلى أرض الحبشة، فغافل أمه وحراسه وصاحب إخوانه المهاجرين، ثم عاد من الحبشة إِلى مكة، ثم هاجر إِلى المدينة المنورة بعد العقبة الأولى ليعلم الناس القرآن الكريم، ويصلي بهم.

وحين يئست أمه من ردته عن الإسلام، لم تكتف بحبسه، بل منعت عنه ما كانت تفيض عليه من مال، وأبت أن يأكل طعامها أو يعيش في رغد قومه.

كان مصعب من أوائل من دخلوا في الإسلام، زاهدًا في لذات الدنيا ونعيمها، فأصبح ذاك الفتى المتأنق المعطر لا يرى إلا مرتديا أخشن الثياب، يأكل يومًا ويجوع أيامًا أخرى، حتى خرج يومًا على بعض المسلمين وهم جلوس حول رسول الله، فما أن وقعت أعينهم عليه حتى ذرفت دمعا على حاله، فكان مصعب يرتدى جلبابا مرقعا باليا، حتى تأمله رسول الله هيئته قائلا: "لقد رأيت مصعبا هذا، ما بمكة فتى أنعم عند أبويه منه، ثم ترك ذلك كله حبا لله ورسوله".

اختار رسول الله مصعب بن عمير ليكون سفيره إلى المدينة، يفقّه الأنصار بعد بيعة العقبة الأولى، ويدخل غيرهم في دين الله ويعد المدينة إلى يوم الهجرة العظيم، حيث حمل مصعب الأمانة وغزا أفئدة أهل المدينة، ففى خلال بضعة أشهر زاد عدد مسلمى المدينة من 12 مسلمًا إلى 70 مسلمًا.

تمضى الأيام والأعوام، ويهاجر الرسول وصحبه إلى المدينة، وتشتد أحقاد قريش للثأر من محمد وأتباعه، وتجيء غزوة أحد، ويختار رسول الله مصعب الخير ليحمل راية المعركة.

وتشب المعركة ويحتدم القتال، ويخالف الرماة أمر الرسول، ويغادرون مواقعهم أعلى الجبل، بعد انسحاب المشركين منهزمين، ولكن سرعان ما يتحول هذا النصر إلى هزيمة، حتى تحصد سيوف شباب قريش أرواح المسلمين.

وعندما رأى مصعب بن عمير أن الخطر يحيط برسول الله، انطلق بين صفوف المشركين حاميا النبى الكريم، رافعا راية الإسلام حتى قتله ابن قميئة الليثى، واستشهد مصعب بن عمير في غزوة أحد، في السنة الثالثة للهجرة.
الجريدة الرسمية