رئيس التحرير
عصام كامل

حماية الجسد من الخيانة!


هذا الكتاب جدير بالقراءة من كل الذين يحملون أفكار التنوير ويبغون سيادة القيم الإيجابية في مجتمعنا، قيم الحق والخير والجمال.. وقيم المواطنة والمساواة والعدل والعيش المشترك واحترام الآخرين المختلفين عنا.


إنه كتاب «الجسد.. بين الحداثه وما بعد الحداثه» للباحثة القديرة د. سامية قدري، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، ومنذ الصفحة الأولى وهي صفحة الإهداء، نبهت المؤلفة القراء أن كتابها هو بمثابة دراسة علمية جادة وليس من نوع الكتب الاستهلاكية التي تتعامل مع الجسد كسلعة أو وسيلة للتربح وتكوين الثروات أو حصد شهرة إعلامية.

فالإهداء كان إلى روح كل سيدة وفنان رحل نتيجة مرض الجسد.. ولذلك مضت المؤلفة إلى تناول الدراسات، خاصة السوسيولوچيا والأنثروبولوجية، التي تناولت جسد الإنسان، وتأثير التغيرات الاجتماعية والثقافية على جسد الإنسان، وكيف تحول الجسد -خاصة جسد المرأة- إلى سلعة يمكن تداولها في الأسواق وجعل تجارة الأجساد تجارة رائجة ومربحة، وكذلك العلاقة بين الأزياء والجسد، والعلاقة بين الطعام والجسد، والتي تتخطى حدود الإشباع المادي البيولوجي إلى الاجتماعي والثقافي، وأيضًا تحديد هوية الأفراد الجماعات والمجتمعات.. بل وقدمت خدمة بحثية لكل الباحثين حينما قدمت معجمًا يحتوي في نهاية الكتاب على أهم مصطلحات دراسات الجسد.

وهذا الكتاب يتصدى بوضوح لما يسميه البعض «خيانة للجسد الإنساني».. فهو يرد الاعتبار للجسد ويحرره من أسر الكثير من الأفكار.. بدأ بالأفكار المتطرفة دينيًا التي تتعامل مع جسد المرأة باعتباره مصدرًا للمتعة الجنسية للرجل، وحتى الأفكار التي روجتها الثقافة الرأسمالية التي حولت الجسد الإنساني إلى سلعة تباع وتشترى، ككل أو كأعضاء أو تمتهن هذا الجسد وتعذبه وتؤلمه!.. ومرورًا بتلك الأفكار والتصورات القديمة التي تفصل بين الجسد والروح، رغم أن الروح جزء عضوي من الجسم وبدونه لا تحيا وبدونها هو يموت.

وهكذا لا يقدم لنا الكتاب معرفة غزيرة خاصة بالجسد الإنساني ما قبل الحداثه، وخلالها وما بعدها، وإنما يقدم أيضًا رؤية تتناسق مع روح التنوير الذي تنشده لمجتمعنا.. ولذلك تستحق مؤلفته د. سامية قدري الشكر عليه.
الجريدة الرسمية