رئيس التحرير
عصام كامل

السلاح أم الدولار.. أيهما أهم؟!


لا ننكر أن الوضع الدولي والإقليمي يسوده الفزع بسبب العمليات الإرهابية المتلاحقة، ووجود داعش لسنوات في بلاد العراق وليبيا وسوريا دون إمكانية القضاء عليه، يجعل الإرهاب يأخذ شكلا آخر أو لنقل يأخذ مرحلة متطورة من الوجود الفعلي على خارطة العالم عامة والعالم العربي خاصة.


لو عدنا بالتاريخ سنكتشف ولع القادة العرب في اقتناء الأسلحة الغربية، ويرجع السبب في خلفيتهم العسكرية، وما يتميز به الرجل العسكري من عشق اقتناء السلاح لفرض النفوذ والسطوة، في مجتمعات مسالمة، خاضعة للحاكم، آملة في مستقبل أفضل ممن سبقه في الحكم والقيادة.

من هنا وجدت مصانع السلاح الغربية التي يعتبر الوطن العربي المخزن الرئيسي لتلك الأسلحة المصنعة خصيصا لهم!

بعد إعدام الرئيس العراقي صدام حسين، تم اكتشاف مخازن كثيرة للأسلحة المشتراة من الغرب والتي لم تستعمل منذ شرائها وتم تكديسها كعامل أمان "لن نقول حب اقتناء"، وكان العذر المقبول للرئيس الراحل "صدام" أنه في حرب عراقية– إيرانية منذ " 1980 -1988"، وأيضا بسبب غزو العراق للكويت واحتلالها "في يومين 2-4 أغسطس 1990".

وأثناء الربيع العربي الوهمي سقط الرئيس القذافي في يد ثواره وتم قتله واكتشف الثوار الليبيون مخازن مهولة للسلاح الغربي، قام الرئيس الراحل القذافي بشرائها وتخزينها دون سبب مبرر، نظرا لأن ليبيا لم تدخل في حرب مع الدول المجاورة لها ولم يكن هناك تهديد يبرر لشراء وتكديس تلك الأسلحة على مر عقود !

وعلى صعيد متواز، نجد دول الخليج تسمح لأمريكا وبريطانيا في إرساء قواعد عسكرية لهما على أراضي الدول الخليجية بدعوى المحافظة على السلام والأمن والبترول إن صح التعبير.

وكل ما تم ذكره مجاز إن وجدت العملة الأجنبية الفائضة، أو الظروف الاقتصادية القابلة للشراء والتخزين لدول غنية لا تعاني من مشكلات يومية كمصر.

في مصر وبعد ثورة يناير اختلف الوضع الأمني، أصبحت الدولة تواجه إرهابا غادرا على حدودها الشرقية، والغربية، عمليات قنص وتفجير أكمنة متناثرة، مؤلمة لكنها ليست قاصمة للقامة المصرية، وبالرغم من ذلك يواجهها جنودنا وضباطنا ببسالة وصمود.

وبسبب الإرهاب والوضع الأمني المضطرب كانت النتيجة الحتمية هجر السائحين الأجانب لمصر وما يتبعها من ندرة النقد الأجنبي المصاحب لهم، مما أثر سلبا أو لنقل يكاد يسبب في انهيار اقتصادي حتمي لدولة أصبحت مستهلكة ومستوردة وليست منتجة لكل ما تحتاجه.

ولكن بفضل مساعدات خليجية "بفائدة طويلة الأجل" بترولية ونقدية تظل مصر متماسكة أمام طوفان السقوط الربيعي الذي لحق بكل من سوريا وليبيا.

في ظل كل ما سبق نجد الإعلان عن شراء الحكومة المصرية لأسلحة غربية مكلفة للميزانية المصرية بالعملة الأجنبية غير المتوفرة من الأساس!

طائرات رفال الفرنسية، غواصة 209 الألمانية، حاملة طائرات ميسترال الفرنسية، طائرات ميج 35، وصواريخ ss 25 الروسية.. 

وأخيرا وليس بآخر.. صفقة سلاح فرنسية بـ 1.1 مليار دولار تم الاتفاق عليها مؤخرا في زيارة الرئيس الفرنسي هولاند الأسبوع الماضي !

لنذكر أن داعش في ليبيا والعراق وسوريا وليس بين مصر وتلك الدول حدود مائية تحتاج غواصة، وأن علاقة مصر مع جيرانها في البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر سلمية وغير مشحونة، وأن وجود داعش البري لا يحتاج حاملة طائرات.

لسنا خبراء عسكريين حتى نحكم على ما يجب شراؤه من عدمه، ولكننا نعي وضع البلد الاقتصادي المتردي والغلاء المتوحش الذي ينهش في الطبقة المتوسطة لجعل السواد الأعظم في مصر تحت خط الفقر، كل ما سبق يجعل شراء كم الأسلحة في فترة زمنية قصيرة وحرجة موضع تساؤل واستنكار عن أولويات الحكومة المصرية اتجاه قضايا الوطن الملحة ومن أهمها أصبح من المخجل القول "رغيف العيش".

حيث ندر الدولار وما ترتب عليه من ارتفاع الأسعار وتهاوى الاقتصاد، كان من باب أولى الحفاظ على ما تبقى من النقد الأجنبي الشحيح في السوق المصرية والمرتفع سعره بشكل متلاحق وجنوني، والتي تقف الحكومة مكتوفة الأيدي في تحجيم ارتفاعه وتجنب ثورة جياع، بدلا من شراء أسلحة تعطي صورة قاتمة عن الأمن في مصر وتوحش الإرهاب مما يجعل الحكومة مصدرة لصورة سيئة عن مصر للعالم.
الجريدة الرسمية