رئيس التحرير
عصام كامل

شهيد من مرقده.. أخجل من دمع أمى


فى عيد الأم، تذكرت حال شهيد مات فى سبيل وطن أو دين أو فى سبيل مبدأ وحقيقة، وهو ينعم بالجنان ويرفل فى الحرير، وتحته أنهار خمر وعسل ولكن يقلق جنبات نومه حال أمه لحظة فراقه، وهى تتهاوى وتسقط من حزن استوطن فؤادها فتآكل حزنها مع كل لقمة وترشف دمعها صباح مساء، فانحدرت على خده دمعة بريئة لخجل اعتراه لأن فراقه سبب الألم لأمه.


فـما حال أمى لو أتاها طارق.. متلعثم ثمل الخطى ينعانى.. أو ضجة بالباب تفتح بعدها لترى شخوصا حاملى جثمانى.. وهى التى كانت تجود بدمعها لو أن بردا فى الشتاء عرانى.. بهذه الكلمات عبر الشاعر الجميل على بسيونى أحمد عن إحساس دفين فى قلب مغترب عن أمه لا تقلقه الغربة ولا يخشى من البعد غير ألم أمه عند الفراق، لو أنه مات بعيدا دون أن تراه.

فما حال أم أتاها رسول يجرجر خطوة، ويمضى مثقلا كأنه سكران من ثقل حمل خبر أسود جاء به مجبرا ليخبر أم عن وفاة أو شهادة عزيز عينها ومهدئ روعها سندها وظهرها، جلدة وجهها وكل الحياة تختصرها الأم فى وليدها.

وما حال أم سقط قلبها خوفا ورعبا على ابنها حين تسمع بالخارج صوت جلبة وضجة تثور وأصوات ترتفع بالصراخ والعويل، وابنها بعيدا عن حضنها، عندها تشعر أن الحياة توقفت ويعقد اللسان عن الكلام والصراخ، ويقف نبض القلب عن الحياة فقد مات من كان بالنسبة لها هو سر الحياة وطوق النجاة .. شهيدا كان أو كان مات قتيلا أو على فراش وثير فقد رحل العزيز ومات الولد فما بقى لها غير الدموع وقلب يئن وعظم يهن قبل الآوان لفقد وليد كانت تأمل فيه أن يكبر ليكون سبب فرحتها بزفافه، تنتظر أولاده الصغار تلهو وتلعب معهم وكأنهم أول العالم وآخر العالم، فقد مات من كان بالنسبة لها كل العالم.

فما أصعب من مشهد حزين ترسمه دموع أم ثكلى وهى تودع رضيعها بالأمس وفلذة كبدها، وتصرخ فى الوجود اقتلونى أو اسلبونى حق الحياة ولكن لا تأخذوا نورى فى طريقى، اتركوا لى فؤداى وعمرى اتركوا لى ابنى وقرة عينى..

مع حال أم فى موقف كهذا تذكرت الكلمات التى شدا بها الرائع الجميل مارسيل خليفة "أحن إلى أمى وقهوة أمى ولمسة أمى .. وتكبر فيَّ الطفولةُ يوماً على صدر يومِ.. أعشق عمرى لأنى إذا متُّ أخجل من دمع أمى خذين ذا عدتُ يوماً وشاحاً لهدبكْ وغطى عظامى بعشبٍ تعمَّد من طهر كعبكْ وشدِّى وثاقي.. بخصلة شعرٍ .. بخيطٍ يلوِّح فى ذيل ثوبك.. ضعينى إذا مارجعتُ وقودا بتنور ناركْ وحبل غسيل على سطح داركْ لأنى فقدت الوقوف بدون صلاةِ نهاركْ هرمتُ فردّى نجوم الطفولة حتى اشاركْ صغار العصافير .. درب الرجوع .. لعُشِّ إنتظارك !! ردّى نجوم الطفولة حتى أشارك صغار العصافير درب الرجوع ... لعش انتظارك !!


الجريدة الرسمية