رئيس التحرير
عصام كامل

بالصور.. متحف الفنون الزخرفية في سانت لويس بجزيرة رينيون

فيتو

يعرض الدكتور محمود رمضان خبير الآثار والعمارة الإسلامية مدير مركز الخليج للبحوث والدراسات التاريخية موضوعا مهما بصفحته الصالون الثقافي عن متحف (الفنون الزخرفية في المحيط الهندي) بقلم د.أحمد الصاوي أستاذ الآثار الإسلامية، في إطار دعوة «د.محمود رمضان» لنشر الوعي بالتراث الإنساني العالمي والحفاظ عليه.


يقع هذا المتحف بمدينة سانت لويس إحدى مدن جزيرة رينيون، وهي جزيرة فرنسية يبلغ عدد سكانها نحو 800 ألف نسمة،وتقع الجزيرة في المحيط الهندي شرق مدغشقر على بعد 200كم من موريشيوس، أقرب جزيرة لها.

ورينيون من أقاليم ما وراء البحار الفرنسية،وهي واحدة من مناطق فرنسا السبعة والعشرين،وجزء من التراب الوطني الفرنسي،ولذا فهي تقع - رغم بعدها الجغرافي عن القارة الأوروبية- في منطقة اليورو.

وقد وصل البحارة العرب هذه الجزيرة وعرفوها باسم "مرجابن" قبل وصول البرتغاليين إليها في عام 1507م،وتسميتها باسم "سانتا ابولوينا"، وبعد نحو قرن احتلها الفرنسيون نظرا لأهميتها على طريق رأس الرجاء الصالح، وضمها "جاك برونيز" لفرنسا رسميا في 1642م، وسميت الجزيرة "ال بوربون" نسبة للأسرة الفرنسية الحاكمة.

وعقب سقوط هذه الأسرة تغير اسم الجزيرة إلى "ريونيون"، ويرمز هذا الاسم إلى اتحاد ثوار مرسيليا مع الحرس الوطني،وظل اسمها لليوم رغم أنها سميت في عام 1801م باسم "ال بونابرت"،وأعيد استخدام اسمها القديم "ال بوربون" خلال سيطرة البريطانيين عليها (1810-1815)، وخلال عهد الملكية التي أسقطتها الثورة الفرنسية وأعادت استخدام تسمية "ريونيون".

وريونيون من المناطق السياحية المهمة في منطقة غرب المحيط الهندي، وتهتم فرنسا منذ ضمها للجمهورية الفرنسية في عام 1946 بالتنمية السياحية فيها،وعاصمة الجزيرة هي "سانت دينيس"، وأهم منتجات الجزيرة قصب السكر وزيت النخيل وجوز الهند.

وقد وصل الإسلام لهذه الجزيرة مع العمالة المهاجرة الذين جلبهم الفرنسيون من جزر القمر ومن الهند لزراعة المحصولات المدىية بالجزيرة.

والجزيرة عبارة عن ركام بركاني في الأصل،ولذا تختلط فيها المناظر الريفية لخصب الأراضي بمناظر الجبال المشرفة على المحيط الهندي.

ومن الطريف أن فرنسا جربت زراعة البن في هذه الجزيرة لضرب احتكار اليمن لإنتاج وتجارة البن،وما زالت تعرض لزوار الجزيرة في متحف خاص أشكال شجر البن وحبوبه، وأيضا المراحل المختلفة التي كانت تمر بها عمليات تجهيز البن للاستخدام، بما في ذلك مراحل طحن البن وتجهيزه للشرب.

وتحت تأثير الاهتمام الفرنسي "في الوطن الأم" بإنشاء متاحف الفنون ولدواعي تنشيط حركة السياحة في الجزيرة قامت السلطات المحلية بالجزيرة بافتتاح متحف "الفنون الزخرفية في المحيط الهندي " بمدينة سانت لويس،وبالتحديد في البيت الأحمر، وتعكس مقتنيات المتحف حقيقة أن الجزيرة هي منطقة تلاقي لعدة تيارات حضارية من أفريقيا والصين والهند وبلاد العرب إلى جانب الحضارة الأوروبية.

وتشمل المقتنيات الأثاث والمنسوجات والخزف والتحف الفنية،كما ينظم المتحف معارض مؤقتة تتم بالتعاون مع المتاحف الفرنسية التي تقوم بعرض بعضا من مقتنياتها الثمينة.

ومن المعارض التي نظمها المتحف مؤخرا معرض "سجلات المحيط الهندي" في ديسمبر 2010م،وهو معرض لتاريخ الأثاث والفنون البصرية في غرب المحيط الهندي في القرنين 17 و18م، وكان المعرض الأخير في يونيو 2012م عن تأثيرات الفن المغولي الهندي حتى بداية الحقبة الاستعمارية.

ويعرض المتحف بعضا من أجمل التحف الإسلامية التي تم إنتاجها في شبه القارة الهندية خلال حكم أباطرة المغول بوجه خاص، وهو يعد أحد المتاحف المتخصصة في هذا المجال.

ونظرا لعناية المتحف بالأقمشة والسجاد وقطع الأثاث فإننا نجد به نماذج مختلفة لأقمشة القطن التي اشتهرت الهند بإنتاجها عبر تاريخها، ومن أمثلتها سجادة يمكن تأريخها بالقرن الثاني عشر الهجري (18م)، وهي تشبه في تصميمها الزخرفي السجاجيد الهندية في تلك الفترة.

ونلاحظ وجود ثلاثة إطارات تحيط برقعة المفرش الأوسط منهما أعرض قليلا،وبه رسوم زهور وأوراق نباتية على أرضية زرقاء داكنة اللون، أما الإطارين الداخلي والخارجي فهما متشابهان تماما، وقوام زخرفتهما رسوم ورد وزهور على أرضية حمراء.

أما ساحة المفرش فأرضيتها باللون الذهبي، بينما زخارفها تمثل منظرا طبيعيا يذكرنا بتلك المناظر التي اعتاد رسامو البلاط المغولي بدلهي رسمها كنوع من المحاكاة لتقاليد التصوير الأوروبي في عصر النهضة.

وقوام المنظر الطبيعي رسم شجرة لا تخلو من روح صينية، وقد خرجت منها بطريقة متناسقة زهور وورد مختلفة الألوان والأنواع، وقد استخدم الفنان ببراعة واضحة درجات من اللونين الأحمر والأزرق فقط في تلوين جذع وأغصان الشجرة وأيضا الزهور والورد، وهناك أيضا مفرش من القطن حافل برسوم الزخارف النباتية والزهور المألوفة في الفن الإسلامي.

ونلمح الطابع الإسلامي الخالص للزخرفة النباتية في بلاطات من الخزف التي أنتجت بالهند تحت حكم المغول،وإن تميزت أيضا بلمحة صينية واضحة في التركيز على استخدام اللون الأزرق مع لمسات باللون الأسود على أرضية بيضاء قصديريه.

وقوام الزخرفة في تلك البلاطات رسوم المراوح النخيلية وبعض الزهور التي تبدو قريبة من رسوم الخزف التركي العثماني، ولا جدال في أن هذه البلاطات تعبر بدقة عن المعنى الفلسفية الذي يعبر عن المتحف بوصفه نقطة تلاقي لتيارات ثقافية متعددة وعميقة.

وتحتل قطع الأثاث مكانا مميزا بين مقتنيات متحف الفنون الزخرفية في سانت لويس، ولا سيما تلك التي تنتمي للحضارتين الصينية والهندية.

ومن قطع الأثاث الإسلامي التي اشتهرت بها الهند في عصر أباطرة المغول الصناديق الخشبية الخاصة بالملابس والأمتعة، ومنها صندوق رائع من الخشب المطعم بالعاج وهو يعتمد بالأساس على عناصر الزخرفة النباتية الإسلامية من رسوم الجدائل والأوراق والزهور.

وقد راعى الفنان توزيعها بدقة بحيث يحتل سطح الصندوق وجوانبه زخرف كثيف من العاج لوحدات نباتية كبيرة،فيما تركزت رسوم الورد الصغيرة على واجهة الصندوق بأدراجه المختلفة،مع استخدام بارع للزخارف الخشبية المفرغة وتلوين مبدع باللونين الأحمر والأخضر لبعض أخشاب أدراج الصندوق، مما أضفى روحا هندية واضحة على زخرفة الصندوق.

ويظهر الطابع الهندي المحلي بصورة جلية في صندوق خشبي صغير مدهون باللاكيه،وهو حافل برسوم الزهور النباتية المتعددة الألوان وإن كان يظهر بعض التأثر بتحف اللاكيه التي شاع إنتاجها في إيران خلال عصر القاجاريين في نفس تلك الفترة من القرن الثاني عشر للهجرة (18م).


ونظرا لشهرة منطقة المحيط الهدي بإنتاج العاج سواء من السواحل الأفريقية أو الآسيوية في متحف الفنون الزخرفية بعضا من تحف العاج، ومن أبدعها علبة صغيرة لحفظ الحلي وهي من إنتاج الهند، ربما في نهاية القرن الثاني عشر الهجري، وهي تزدان بزخارف محفورة حفرا عميقا،وتجمع ببراعة بين عناصر الزخرفة النباتية الإسلامية المعروفة بالأرابيسك وبين الرسوم الهندية التقليدية التي تضم رسوما لأشخاص وسيدات بنفس الأسلوب الذي نشاهده في المعابد الهندوكية القديمة.

ويبقى المتحف بموقعه ومقتنياته تعبيرا صادقا على تلاقي عدة ثقافات وتمازجها عبر العصور في منطقة غرب المحيط الهندي.

الجريدة الرسمية