رئيس التحرير
عصام كامل

«حتى يغيروا ما بأنفسهم»


من المؤكد أن الاستبداد فعل فينا الكثير.. ونال منا ما لا يخطر على بال، على مدى قرون طوال.. وقد تفاوت المصريون في رد فعلهم تجاه هذا الاستبداد تفاوتًا كبيرًا..كان منا من هلل للاستبداد، وصانعه، وعايشه، وبرر له طغيانه وجبروته.. وكان منا أيضًا من قاوم واستبسل في الدفاع عن حريته وحرية بلاده، ونال جراء هذه المقاومة سجونًا، وبطشًا، وتعذيبًا، وتنكيلا.. وكان منا كذلك، من كان ناقمًا وساخطًا، لكنه كان أضعف من أن يعلن عن رفضه واعتراضه، إذ لم تكن لديه الشجاعة الكافية ليفعل ذلك، وفضل أن يؤثر "السلامة"..


الصنف الأول لا أمل فيه، فرجاله لا ينفكون عن موالاة الحكام الظلمة في كل العصور، ومهما بذلت معهم من جهود، لا يرعون ولا يخجلون ولا يستحيون.. صدق فيهم قول الحبيب (صلى الله عليه وسلم): "إنه كان من كلام النبوة الأولى، أنه إذا لم تستح فاصنع ما شئت".. هم يتمتعون بجلود سميكة، و"ذيول" غليظة، كما أن حظهم من المروءة والشهامة يكاد يكون معدومًا، وينحصر همهم الأكبر في مصالحهم الضيقة، ولا شيء غير ذلك..أما هموم الأوطان فليست في بالهم، وآلام المصريين وأحزانهم، لا تلقى منهم إلا الاستهانة والاستخاف..

الصنف الثاني؛ سواء كانوا مفكرين أو كتابًا أو ساسة، رغم قلة عددهم، كان لهم دورهم الشجاع.. نعم، هؤلاء أصبحوا عملة نادرة في هذا الزمان، لكن ما زالت لهم مصداقية وتأثير في المستوى الجماهيري.. وإذا كانوا يلقون مضايقات في رزقهم وأمور معاشهم، فتلك ضريبة الجهاد.. وأملنا ألا يصابوا بإحباط أو يأس، وأن يظلوا على عهدهم يحملون شعلة النهوض والإصلاح..

أما الصنف الثالث فيضم قطاعًا عريضًا من الشعب المصري، يحتاج جهدًا كبيرًا لشحذ همته، وتقوية إيمانه، فضلا عن علاج مشكلاته، التي لا تحصى.. لو تأملناه جيدًا، لوجدناه يحمل عللا وأمراضًا كثيرة، مع ذلك هو لا يحب أن يذكره أحد بعيوبه وأخطائه، وغالبًا يتعامى عنها، أو يهوى من يبررها له..يعشق من يتملقه ويداهنه ويمتدحه في أمور هو يعلم يقينًا أن أكثرها -إن لم يكن معظمها- غير صحيح بالمرة.. هو عادة يرى أنه مفعول به، لا فاعل.. ويجهل -أو يتجاهل- أنه يسيء إلى نفسه أكثر مما يسيء إليه غيره..

على الرغم من ذلك كله، لابد أن نقر ونعترف بأن كثيرًا من أبناء هذا الصنف يريد خيرًا ونهضة للبلد، غير أنهم مشتتون ومشرذمون، ولا يدرون ما الذي يجب عليهم أن يفعلوه.. هل أقول إنه لابد من أطر تنظيمية قانونية تجمعهم؛ تحدد أهدافهم ووسائلهم وبرامج عملهم؟ أمامهم الأحزاب..فهل نطلب منهم أن ينضموا لهذا الحزب أو ذاك؟ للأسف، الأحزاب الموجودة مريضة وتعاني من الضعف والهشاشة، وعدم استيعاب الدور المنوط بها..هل ننصحهم بإنشاء جمعيات أهلية في كل حي؛ هذه للنظافة، وتلك لمعالجة التسيب، وهذه للقضاء على الإهمال، وتلك لإتقان العمل، وهذه للمحافظة على قطرة الماء، وتلك لمناهضة الكسل والتراخي وزرع بذور الأمل، وهكذا!!

يجب أن تكون هناك دعوة يحملها المفكرون والكتاب والأدباء والساسة لتوجيه الناس وإرشادهم لعمل مثل هذه الجمعيات..نعم نحن لدينا في مصر عشرات الآلاف من الجمعيات الأهلية، فهل أدت دورها كما يجب، وهل نحن في حاجة إلى جمعيات أخرى جديدة؟ وهل هناك تقويم حقيقي لعمل هذه الجمعيات؟ أيًا كان الحال، نريد أن يتعلم الناس أن يختاروا الطريق الذي يرونه مؤديًا إلى النهوض ببلدهم ومجتمعهم..وهذا لن يكون إلا بأن يأخذوا بزمام المبادرة..لا نريد أن ينتظر الناس من "الحكومة" حتى تحقق لهم أحلامهم وأمانيهم..هي تقوم بدور؛ بعضه إيجابي وبعضه الآخر سلبي..

لكن أخشى أن تقف "الحكومة" عائقًا أمام هذه الجمعيات، فتعطل عملها، بل تصيبها بالشلل والفشل..وأخشى أيضًا أن تضيع هذه الجمعيات في صراعات البحث عن الزعامة، والرياسة، وما أشبه..ما الحل إذًا؟ هل نبقى هكذا في أماكننا لا نحاول أن نفعل شيئًا لوطننا ومجتمعنا، انتظارًا لما تفيء به "الحكومة" علينا؟ إذن كيف نصلح عيوبنا ونعالج أخطاءنا؟! أضحك كثيرًا من هؤلاء البعض الذين يرفعون أكف الضراعة إلى الله تعالى "أن يهلك الظالمين بالظالمين، ويخرجنا من بين أيديهم سالمين"؟ أرأيتم؟ إنهم يريدون أن يقوم المولى بالمهمة نيابة عنهم.. لم يتأملوا قوله جل وعلا: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"..
الجريدة الرسمية