رئيس التحرير
عصام كامل

«سباطة بلح» و«بيضة» و«حتة لحمة»!


في غياب الحقيقة تُصبح للخرافة قيمة مضافة.. وعند غياب العقل تزداد الأساطير انتشارًا.. ولا صوت يعلو فوق صوت الجهل حينما يتم تغييب العلم عن عمد.. والقلوب الراسخة في الإيمان لا تنتظر «بيضة»، ولا «حتة لحمة»، ولا «فرع شجرة» يتشكل بأشكال توحي إلينا أنها تحمل لفظ الجلالة «الله»، أو اسم أحد الأنبياء.. فالمؤمنون بالله حقًا «يعملون» أكثر من غيرهم، و«يعلمون» أكثر من غيرهم.


في حجرة أبي- رحمه الله- كنتُ ألمح «سباطة بلح» جافة معلقة على الحائط، بجوار وصيته التي كتبها في حياته ليُعمل بها بعد وفاته.. من ينظر إلى السباطة يرى بوضوح أنها تأخذ رسمًا قريبًا جدًا من لفظ الجلالة «الله»، حينها كنتُ في الثانوية العامة، ولم أستطع إخفاء «انبهاري» بهذه «المعجزة» الإلهية، بل كنتُ أدعو أصدقائي لمشاهدة هذا الإبداع الإلهي، الذي يحتفظ به أبي في حجرته.

لم أشغل نفسي-وقتذاك-بتفسير هذه اللوحة، والبحث عما وراءها، واكتفيت بما كنتُ أسمعه مع الجميع: إنها «قدرة الله».

 لكن بعد التحاقي بكلية دار العلوم، ودراستي للعلوم الشرعية بجانب العلوم الإنسانية، والتفسير العلمي لكثير من هذه الظواهر، وردها إلى إلى التغيرات الجيولوجية، وبعض الظواهر الطبيعية الأخرى.. اطمأن قلبي أن الله- سبحانه وتعالى- لم يكن في حاجة جديدة لـ«إثبات وجوده» بين أناس مؤمنين به، وبملائكته، وكتبه، ورسله، رغم اختلاف ديانتهم!

والحقيقة، رغم اقتناعي بهذا التفسير العلمي، واطمئناني إليه، لم أشأ أن أناقش والدي بشأن «سباطة البلح».. فمصر كلها منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي وحتى الآن سيطر عليها تيار ديني، يداري «خيبته التقيلة» بـالاهتمام بـ«القشور»، وتسيلط الضوء على أشياء من عينة «سباطة البلح»؛ مستغلين اهتمام الناس بـ«الدجل» أكثر من اهتمامهم بالعلم.. والبسطاء من أمثالنا «يتشعبطون» في أي شيء يقربهم من الله.. والأخطر من ذلك أنك من الممكن تُتهم بـ«الكفر والإلحاد»..وليس من المستبعد أن تدفع حياتك ثمنًا لإنكار هذه «المعجزة الربانية».

ومن المؤسف حقًا- ونحن في بداية ألفية وصل فيها العلم شأوًا بعيد المدى في شتى المجالات- أن نرى بعض المسؤولين يحتفون مثلًا بـ«بيضة»، قيل إنها منقوش عليها رسمًا أقرب إلى لفظ الجلالة، أكثر من احتفائهم بالعلم والمتفوقين.

 فها هو محافظ المنيا اللواء طارق نصر يُصدر بيانًا لتوضيح كل كبيرة وصغيرة عن «البيضة»، وأصر على أن يلتقط صورًا تسر الناظرين مع «البيضة المقدسة».. لكنه- للأسف- لم يخبرنا هل ستلقى هذه «البيضة» نفس معاملة بقية «البيض» أم لا؟ وهل تنتوي المحافظة وضع «البيضة المبروكة» تحت أي فرخة لتنام عليها حتى تفقس، أم سيتم حمايتها من الفقس؟ وهل سيتم الاستعانة بـ«البيضة المعجزة» لحل مشكلات المحافظة، وسوء الخدمات المقدمة للمواطنين أم لا؟!

ولأن موضوع «بيضة المحافظ» ما زال ساخنا، والصوت الإعلامي لم يخفت بعد عن الاحتفاء به، فقد سار على النهج المحاسب سرور سعد، رئيس مركز إهناسيا ببني سويف، وخرج علينا معلنًا أنه عُثر على «حتة لحمة» منقوش عليها لفظ الجلالة «الله»، خلال تفقده لفرع الشركة المصرية للسلع الغذائية بالمركز.. وطبعًا حرص على التقاط الصور التذكارية معها، مؤكدًا أنها «تجسيد لقدرة الله»، فيما اعتبرها آخر أنها «دلالة على عناية الله عز وجل بمصر وقيادتها».

السؤال: لماذا نجهد أنفسنا في البحث عن مظاهر لقدرة الله- عز وجل- في الكون، وهي موجودة في أنفسنا.. (﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ))؟.. ولماذا نُحمِّل الأشياء أكثر من ما تحتمل؟.. باختصار؛ لأننا نبحث عن أشياء نخفي وراءها إخفاقنا.. نداري بها على فشلنا.. نُخدِّر بها عقول أمتنا ونمنعها من التفكير العلمي الذي أمرنا الله بتحصيله؛ لنزداد علمًا وإيمانًا به سبحانه وتعالى.

وللأمانة فإن واقعة «البيضة» وأشباهها لا تقتصر فقط على المسلمين، ولا على أتباع دين بعينه.. فكلنا في الخيبة سواء.. وقد سمعنا عن بعض المسيحيين الذين رأوا «الصليب» يتجلى في ثمرة فاكهة، أو يتشكل في السحاب.. إلى غير ذلك من «الخيالات» التي قد يصورها العقل لصاحبه، وتجد مَنْ يتبناها ويروج لها.

إننا لا ننكر تجليات وقدرات الله.. لا ننكر وجود المعجزات التي ربما لا تستوعبها عقولنا المحدودة العاجزة.. لكننا ضد الخرافات والجهل.. ضد «البقرة المبروكة».. ضد «الشجرة المعجزة».. ضد «اللحمة» و«البيضة المقدسة».. ضد أن يظن الناس- خاصة الجهلاء- أن قدرة الله- عز وجل- أَبَتْ أن ترفع الألم والمعاناة عن الإنسانية جمعاء، واختارت أن تتجلى في «سباطة بلح»، أو «بيضة»، أو حتى «حتة لحمة».. ألا نستحي من ذلك؟!
الجريدة الرسمية