رئيس التحرير
عصام كامل

حرروا الأزهر فإنه معتقل


لقد كان الأزهر منذ نشأته المصدر الوحيد للفتوى والمؤسسة المتفردة في التعليم والتثقيف، ورغم أن وسطية الدين كانت هي الهدف المعلن له؛ إلا أنه كان معنيًا في الخفاء بنشر المذهب الشيعي وترسيخه في عقيدة المصريين.. ورغم ما بذله الفاطميون من جهد لترسيخ مذهبهم، بيد أنهم فشلوا..! واستطاع المصريون بفطرتهم المعتدلة أن يحدثوا توافقا ملموسًا بين الأهداف الخفية والمعلنة، وشكلوا سدا منيعا لمجابهة تسييسه. كما نجحوا في تحويله إلى مؤسسة إشعاع لعلوم الفقه والبلاغة والأدب.. وصار الأزهر طاقة إشعاع معرفي لكل الدول الإسلامية، وينبوعا أنجب للدنيا رجالا، صاروا روادًا للوعي الإنساني، أمثال محمد عبده ورفاعة الطهطاوي وطه حسين.. أؤلئك الذين حرصوا على جعل الأزهر مؤسسة متخصصة في بناء دولة القيم، التي كانت -ولا تزال- في صراع مع دولة السياسة.


ويومًا بعد يوم انحرف الأزهر عن مساره الدعوي، وأقحم نفسه في صراع مع المؤسسات العلمية للدولة.. وابتعد عن دوره في مراقبة المناهج الدينية وما تبثه بعض المنابر من فتن وما ينشره المتطرفون من مغالطات، وما تبثه الفضائيات من أفكار تُكَفر الدولة وتجعلها في خلاف مع الدين.. وانشغل الأزهر بإنشاء جامعات له ينافس بها الجامعات العامة، فأنشأ كليات للطب والهندسة والعلوم والزراعة، حتى صار له نظام تعليمي خاص مغاير تمامًا للنظام العام، فاعتقل عقول طلابه، وعزلهم عن الثقافة العامة للدولة، وحّبَّب إليهم الطبيعة البدوية حيث الإسلام البكر، وكَّره إليهم الدولة المدنية وكل ما يتعلق بالهوية والمواطنة، وكَّرَس بداخلهم ثقافة خاصة، لم يتحرر منها سوى قليلون مما خرجوا من عباءته بمحض الصدفة، عندما سافروا إلى جامعات أوروبا، ورجعوا بقدرة فائقة على إعمال العقل في تفسير النص الديني وتجديد الفكر الإسلامي، ولم ينالهم من علماء الأزهر الذي ظلوا في معتقله سوى الاتهام بالزندقة..

ولا يزال الأزهر يُدَّرِس لطلابه اختلاف المذاهب الأربعة، فكانت مناهجه مصدرًا للصراع بين الموروث الديني والواقع المعاش.. ذلك الصراع الذي انتقل من المناهج التعليمية البالية إلى عقول الطلاب؛ فأصبح معظمهم دعاة للعنف والتشدد..! ويتهم الأزهر بعدم توحيد الخطاب الدعوى ومصادر الفتوى؛ حتى صار عدد المشتغلين بالدعوة والفتوة أكبر من عدد المشتغلين ببيع الطماطم..! تلك الفراغات التي تسببت في ظهور كيانات دينية ادعت أنها الأكثر فهمًا لصحيح الدين، وتشدد بعضها حتى كَفَّر الأزهر..!

لذا فإنني أحمل الأزهر قسطًا كبيرًا مما يحدث من صراع سياسي.. وأؤكد أن الطلاب الذين حرقوا الجامعة وتطاولوا على علمائها؛ هم نتاج مناهجها التعليمية البالية وما حَشَته في عقولهم من أفكار ومفاهيم عَفَّ عليها الزمن.. وأطالب الأزهر بمراجعة النفس والمنهج.. كما أطالبه بالتفرغ لأمور الدعوة للإسلام الوسطى، وتجريم من أفتى بعيدً عن الأزهر.. وأن تنتهي مراحل التعليم بالأزهر عند التعليم الأساسي، وتقتصر جامعات الأزهر على كليات علوم الفقه والحديث والتفسير.. وتدمج الكليات العلمية في الجامعات العامة، ليتفرد الأزهر في تعاليم علوم الإسلام ويُقِيِم المصالحة بين الدولة المدنية والدين.. ويُصلح ما أفسدته مناهجه في حق الدين والدولة..
Sopicce2@yahoo.com
الجريدة الرسمية
عاجل