رئيس التحرير
عصام كامل

المؤامرة الكونية


من أجل الوطن، قدمنا المال والروح والولد على مر عقود، من أجل تراب الوطن كنا وما زلنا نعاني، معاناة مختلفة الأوجه، منها المادي، ومنها المعيشي، ومنها أيضا الأمني، وقد تكون معاناة معنوية، وقد تصبح معاناة بيئية، لن نستطيع الحصر فهي معاناة أزلية لا تنتهي.


كلما ضاق الحال، نجد مائة سبب للتبرير، وكلما زاد الضغط علينا نجد ألف مدافع عن السبب وراء ذلك الطلب بالتحمل.

لكن في كل مرة، على الرغم من عدم اختلاف المعاناة، لكن تظل التبريرات مختلفة، منها المقنع نوعا ما نظرا للوضع الاقتصادي العالمي وما فيه من أزمات، وأننا دولة فقيرة نامية لا تملك موارد دخل عالية كالبترول، وأن مسئولينا كانوا فاسدين وحكامنا كانوا ديكتاتوريين وتاريخنا الشاهد على استعبادنا واستغلالنا من قبل حكامنا.

ومنها المكرر كثيرا دون إقناع، فنجد التركيز على أننا دولة فقيرة، ومن أين للحكومة مقومات رفع المستوى المعيشي للمواطن، في ظل قلة ذات اليد من موارد دخل الدولة!

وأجيب لكم منين وتعداد الشعب لا يتوافق مع دخل الدولة ومواردها!، على الرغم من أننا دولة فقيرة، لكن لدينا مليارديرات ذكر اسمهم في موسوعة جينيس من بين أثرياء العالم!

ومنها الواعظة غالبا تكون من رجال الدين التي تدفع بهم الدولة كمسكن للشعب في وضعه المطحون، الغنى غنى النفس، كونوا من الزاهدين في الدنيا حتى يرضى الله عنكم وتفوزوا بالجنة في الآخرة، في حين نجد من يدعوننا للزهد أثرياء "أين زهدكم في دنيانا!".

وكي تكون الدولة واقعية في تبريراتها للشعب عن عدم إنصافه في توفير حياة كريمة له، كان يجب عليها أن تكون تبريراتها مواكبة للوضع العالمي.. فقد تبرر الحكومة عدم زيادة مرتبات العاملين بالمؤسسات الحكومية بسبب ما حدث من الأزمة المالية في أمريكا 2007، التي نتج عنها إفلاس مؤسسات تسليف الرهن العقاري ومؤسسات مصرفية متخصصة في أمريكا!

لكن لنكن واقعيين، في معظم الأوقات تكون تبريرات الحكومة فيها شيء من الصحة ولو بنسبة يرفضها العقل والمنطق، لكن بعد ثورة يناير وتغير الوضع المجتمعي والأمني والمالي للدولة على نحو مغاير تماما لما خطط له من آمال في الارتقاء بالمستوى المعيشي للمواطنين وتوفير حياة كريمة في ظل حريات قدم الشعب المصري للوصول لها الصبر والتحمل والدم والروح والأبناء.

لكن الحكومات المتتالية بعد الثورة نسخة طبق الأصل من الحكومات لما قبل الثورة، لكن اختلفت تبريراتها بشكل يثير الدهشة والضحك.

عندما أخفقنا في ملف سد النهضة وخرجت علينا الحكومة بالتلويح والتهديد والتمهيد بأن حصة مصر في مياه نهر النيل ستقل وسيترتب على ذلك بضع كوارث في الزراعة ومياه الشرب التي ستقل وسترتفع قيمتها في فاتورة يدفعها فقط المواطن.. نجد إخفاق الحكومة مبررا بأنها مؤامرة دولية على مصر من دول شقيقة وأخرى غير صديقة تحالفوا ضد كوب الماء المصري، غير معترفة "الحكومة" بإخفاقها في تلك القضية.

ونجد، في ظل ترهل أمني وغياب محاسبة رادعة للخارجين عن القانون من الشعب أو خارجين عن الحدود المسموح بها من أفراد الأمن المنوط بهم حفظ الأمن لا انتهاكها وترويع المواطنين، تخرج علينا الحكومة بتبرير وتصريح واحد مكرر، حتى لو اختلفت المعاناة والشكوى والإخفاق، فنجد في أي تجاوز من أي مواطن ضد مواطن آخر، أو حدوث أعمال تخريبية أو إجرامية أو احتجاجية أو احتيالية، أو تدهور الجنيه المصري، أو غلق مصانع أو تجاوزات رجال الداخلية في حق المواطنين المدنين، أو ارتفاع الأسعار، أو دخول قمح مسرطن للبلد، أو ظهور تماسيح في ترع مصرية، أو غرق مراكب، أو تلوث مياه النيل، أو قطع طريق، أو تحرش بسيدة، نجد أن الفاعل واحد مجهول، لكنه معروف ميوله السياسية وهم "الإخوان" الذين يملكون قوى خارقة في تدمير دولة بأمنها وحكومتها وشعبها ونيلها!

كل كارثة وراءها إما الإخوان أو دول شقيقة!

ليس الغريب تبرير الحكومة، لكن الغريب قبول مؤيدي الحكومة دائما لتبريراتها، في الماضي نجدهم يدافعون عن الحكومة "الحكومة تجيب لكم منين!"، في وقتنا الحالي "الله يعين الحكومة على أعدائها من أبناء البلد والدول الشقيقة!".

تلك المؤامرة الكونية على مصر من أبناء مصر "الإخوان"! والدول الشقيقة وغير الصديقة "يجب الإشارة إلى أنه لا يوجد عدو بالنسبة لمصر سوى داعش التي ترهب معظم دول العالم"، يجعل الفجوة بين أبناء الشعب الواحد تزيد حتى تصل للعداء، وتلك التلميحات عن دول شقيقة تعمل على سلب مصر مكانتها وأمنها ومواردها يغفل وجود عمالة مصرية في تلك الدول بالملايين، وشحن الشعب المصري ضد تلك الدول من شأنه أن يعمل على تعكير العلاقات بما يهدد وضع تلك الملايين من المصريين العاملين بتلك الدول.

تحتم الأمانة في الإدارة الاعتراف بالإخفاق، من العدل أن نعطي كل ذي حق حقه في اللوم والمحاسبة والمعاقبة، من المنطق عدم تبرير الخطأ لتحجيمه بدلا من تفشيه، من السهل إيقاف نزيف الغضب فقط لو واجهنا عيوب نظام حكم امتد إلى أكثر من 60 عاما.

قمة الاستهانة بشعب حين نوهمه بواقع مغاير للحقيقة، بل مزيِّف لها أيضا، فـحين نغرس بداخل عقول البسطاء أو المحبين للحكومة أفكارا غير واقعية أو منطقية الحدوث نكون نخدعه لا نحكمه، ونظلمه ولا ننصف أنفسنا.

الجريدة الرسمية