رئيس التحرير
عصام كامل

منحنى الصعود


جملة أثارت بداخلنا تساؤلات كثيرة.. وأضحكتنا كثيرا لفقدانها المنطق الهندسي والوجود الفعلي الواقعي...
هل حتى نعلو لازم نطاطي نطاطي! أم..هل حتى نصل للقمة يجب أن ننحني وننحني حتى نصل للقاع! أو ربما قصد قائلها..حتى نصل للهدف لابد من تخطي السقطات والمشكلات التي تجذبنا لمنحنى بعيدا عن النجاح !


تفسيرات عدة تصل بنا دائما لمنحنى لا يمكن منه الصعود، في ظل ظروف كان يعلمها قائل تلك الجملة.

في ظل ربيع عربي لم نجن منه سوى الانهيار المقترب لثورة جياع، وحروب أهلية في دول الربيع الوهمي، نجد مصر بكيانها المتماسك بمساعدات الخليج "النقدية والبترولية" وبدعاء الصالحين من محبي تراب هذا الوطن التاريخي الضارب جذوره في عمق الزمان والحضارة، تحاول أن تعبر محنة طحنت بعض الدول المجاورة لها وشردت شعوبها وقتلت أبرياء.

طوفان خراب وتقسيم وحروب أهلية بالإضافة لـ"حروب عربية عربية"، فوضى تعصف بكل الكيانات، فنجد الدول البترولية تعاني من تدهور أسعار النفط بشكل يجعل تلك الدول تعيد حساباتها في البحث عن استثمارات تفي وتسد بالعجز في إيراداتها المتدنية من البترول.

لكن حكومات مصر المتتالية تقف دائما مكتوفة الأيدي ليس لديها خطط داخلية، ولا تلجأ للاستعانة ومشورة برجال الاقتصاد والخبراء الماليين المصريين، ولا تملك سوى الاقتراض من صندوق النقد الدولي كحل تعودت على استخدامه في مواجهة نقص موردنا من النقد الأجنبي، وذلك بسبب هجر الاستثمار لمصر بسبب الوضع الأمني والإرهاب الذي لا تكف الحكومة المصرية عن الإعلان عنه كأنها تفتخر به، فلا ترسل رسائل طمانة للرأي العام العالمي من سياح أو مستثمرين، وبسبب عدم الاستقرار أو لنقل الاستقرار المصحوب بقلق وعلى جمر، نجد المستثمر يهرب بأمواله إلى دول أكثر أمنا وأكثر حرية، ضامنا عدم الملاحقة القانونية في ظل سياسات متغيرة أو حكومات متعاقبة متخبطة غير راض عنها الشعب المتحفز المشحون ضد حكوماته.

وفي ظل كساد السلع وركود السوق وغلق مصانع تدر عملة صعبة، مقابل عدم رواج لمنتجاتها خارجيا ومحليا، نظرا لظروف البلد من قلة سيولة مالية وعدم القدرة على صرف رواتب عمال وموظفين، ومع انعدام "تقريبا" للسياحة الأجنبية الجالبة للنقد الأجنبي بسبب الوضع الأمني المتوتر وسوء إدارة قطاع السياحة بمسئوليته الكاملة في إهمال المعالم السياحية، وترميمها بأساليب "البنائين القدماء" لا الأثريين المحترفين، والأهم بسبب عدم الترويج السياحي بما يليق بآثارنا وحضارتنا غير مواكبة لأكثر طرق الإعلان حداثة وجودة وإمكانية.

المورد الرئيسي الباقي عبر الزمان الذي لا يقل مورده هو قناة السويس، على الرغم من أننا قمنا بحفر "قناة السويس الجديدة" لكن لا إضافة تذكر في زيادة دخل القناة بما يتناسب مع إهدار 64 مليار جنيه لحفر القناة الجديدة" تفريعة" 72 كيلو متر، والسبب الرئيسي لإنشاء تلك القناة الجديدة زيادة أعداد السفن العابرة للقناة، مما يترتب عليه زيادة دخل قناة السويس من النقد الأجنبي وذلك لم يتحقق حتى الآن.

في ظل تلك الظروف الصعبة كان يجب التفكير في الاقتراض من صندوق النقد الذي يطلب دائما بعض الإجراءات الاقتصادية العنيفة حتى يقبل اعطاءنا القرض، ودائما من يدفع هذه الفاتورة هو الجنيه المصري والمواطن المصري على حد سواء.

أهم هذه الإجراءات التي يجب أن تتبع تخفيض حتمي لقيمة "الجنيه المصري"، وتخفيض الدعم، مع الالتزام ببرنامج إصلاحي في علاج اختلالات مالية منها عجز الموازنة العامة للدولة والميزان التجاري.

وتصحيح هياكل الدولة كقطاع الأعمال العام وقطاع الضرائب والأجور والتعليم العام وقطاع التقاعد والضمان الاجتماعي، وفي كل مرة يحرص صندوق النقد على تقديم خطة حماية بديلة للطبقة الفقيرة مقابل ما سيتم تغييره من رفع دعم أو غلاء أسعار...الخ
في ظل تلك الشروط التي سيطبق منها ما يزيد أعباء المواطن المصري مقابل غلاء الأسعار والخدمات ورفع الدعم عنه وتقليص لقيمة الجنيه أمام النقد الأجنبي، نجد أن منحنى الصعود دائما في الهبوط بالطبقة الفقيرة في مصر بل يعمل دائما على زيادة رقعتها واشتداد فقرها.

فنجد أن الصعود إلى أسفل في سرعته القصوى بمنحنى لا يعرف سوى لي عنق الجنيه أمام الدولار، وكسر قامة المصري أمام الغلاء.
الجريدة الرسمية