رئيس التحرير
عصام كامل

الحب باللغة الفرنسية (2)


رأيتها تحمل باقة ورد حمراء، سيدة أعرفها منذ سنوات اقتصرت حواراتنا على تحية الصباح كل يوم إلى أن مازحتها في عيد الحب، لزوجك هذه الورود فأجابت مبتسمة إنها لأبى لأنه الأحق بها، أمى تركتنا أربعة صغارًا وهربت مع رجل آخر وكان والدى يرعانا، ما زلت أذكره وهو يجهز شرائح البطاطا المقلية والسلاطة للعشاء ويغسل لنا ملابسنا بعد عودته من عمله ونشاركه جميعا في تنظيف البيت يوم الأحد، نحن مدينون له بسنوات شبابه التي وهبها لنا.


تخيلت عمر أب لسيدة في الأربعين ربما تخطى السبعين وما زال أولاده وأحفاده حوله، الأقدار تعوضنا الوفاء بوفاء آخر فى أكثر أيامنا احتياجًا له.

بعد حواري معها اخترت طاولة في المقهى المجاورة لمحل الورد وقبل أن أطلب قهوتى جلس جار روجيه الذي يقترب من الثمانين في المقعد المقابل دون استئذان، بدأت أستعد لثرثرته المعتادة وذكرياته حين كان يعمل بالمطافئ والتي حكاها لي مائة مرة وحفظت تفاصيلها، سأتصنع الاستماع وأهز رأسي بالموافقة، حكاياته المكررة تضايقنى لكنها سبيله الوحيد لسعادة مؤقتة.

لكنه فاجأنى بحكاية جديدة، تعرف على "فيس بوك" بفتاة من الفلبين شابة جميلة وتحبه وسيتزوجها ويأتى بها إلى فرنسا لتعيش معه، وعلقت بتعجب، لكنك لا تعرفها جيدًا كى تتزوجها "فيس بوك" لا يظهر حقيقة الناس احذر أن تكون مخادعة وهدفها ابتزازك، تجهم وجهه ثم عادت ملامحه لصفائها كمن تراجع عن غضبه موضحًا لا هي تحبنى وأحدثها كل ليلة ثم خفتت نبرة صوته وهمس كمراهق في الخامسة عشر ينبض قلبه لأول مرة، هل تعلمين ماذا فعلت معى بالأمس وأنا أحدثها وأراها في الكاميرا مدت يدها ولامست خدى بحنان فبكيت.

لو ضغطت على فنجان القهوة في فمى إما سأكسر الفنجان أو سأكسر أسنانى ولو تحدثت بواقعيتى المعهودة سأكسر قلب هذا الشيخ المسكين، ودعته قائلة أتمنى لك السعادة روجيه.

طوال ثلاثة أشهر كلما قابلنى شرح لى تعقيدات الأوراق الرسمية التي قدمها لكى يحصل على الموافقة في استقدام زوجته من الفلبين حتى أنهاها وسافر وأحضرها ودعانى لمقابلتها، كانت فتاة لطيفة تتحدث الفرنسية بصعوبة وهو أصبح يجيد دور العاشق قدر إجادته الثرثرة.

إنها صفقة، صفقة أدارها كل منهما بحساباته الخاصة التي تواءمت مع احتياحات الآخر، هو يحتاج من يؤنس وحدته في سنوات عمره الأخيرة وهى تحتاج للأمان بالحياة بدولة توفر لها فرصًا لن تجدها في بلادها.

كم من قصص حب وارتباط هي في حقيقتها احتياج وعدم توافر بدائل، وكم من رجال لديهم استعداد؛ لأن يعيشوا الوهم مقابل أيام من الونس حتى لا تقتلهم الوحدة.

في عيد الحب، ترى كم منا يحب، وكم يمثل الحب ليعيش الحب !
الجريدة الرسمية