رئيس التحرير
عصام كامل

«عُقد الطفولة».. الأساليب التربوية الخاطئة تقدم للمجتمع أطفالًا مشوهين نفسيًا.. «المعاملة السيئـة والعقـاب الجسدي يصيبان الأطفال بالتوتر.. والاكتئاب «الأخطر»..«الغيرة

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

كثيرًا ما نلاحظ تغيرات غريبة تطرأ على الأطفال الصغار، بداية من عدم التكيف مع البيئة المحيطة به سواء داخل الأسرة أو في الحضانة أو المدرسة، مما يولد صعوبة شديدة من قبل الوالدين في تفهم طبيعة شخصية الطفل، ويترتب عليه العشرات من السلوكيات الخاطئة التي يتعامل بها الأهل مع الطفل المريض نفسيًا بسبب جهلهم بطبيعة مرضه، ومن الممكن أن تتفاقم أعراض المرض عند الطفل نتيجة لذلك السلوك الخاطئ.


ونظرًا لأهمية الطفولة كحجر أساس لبناء شخصية الإنسان مستقبلًا وبما أن لها دورا كبيرا في توافق الإنسان في مرحلة المراهقة والرشد فقد أدرك علماء الصحة النفسية أهمية دراسة مشكلات الطفل وعلاجها في سن مبكرة، قبل أن تستفحل وتؤدي لانحرافات نفسية وضعف في الصحة النفسية في مراحل العمر التالية...

وقد تبين من دراسة الباحثين في الشخصية وعلم نفس النمو أن توافق الإنسان في المراهقة والرشد مرتبط إلى حد كبير بتوافقه في الطفولة، فمعظم المراهقين والراشدين المتوافقين مع أنفسهم ومجتمعهم كانوا سعداء في طفولتهم، بينما كان معظم المراهقين والراشدين سيئي التوافق، تعساء في طفولتهم، كثيري المشكلات في صغرهم.
كما أن نتائج الدراسات في مجالات علم نفس المرضي وعلم النفس الشواذ أوضحت دور مشكلات الطفولة في نشأة الاضطرابات النفسية والعقلية والانحرافات السلوكية في مراحل المراهقة والرشد.

من أبرز السلوكيات التي قد يلاحظها الوالدان على أطفالهم والتي تدق ناقوس الخطر وتعد أعراضًا لأحد الأمراض النفسية والتي تتطلب سرعة استشارة طبيب متخصص لعلاجه، هي الميول للوحدة والعزلة وعدم الاندماج مع إخوته أو زملائه، والعدوانية والعصبية المفرطة لدى الطفل، والعناد والتمرد على تنفيذ أوامر والديه، الغيرة المفرطة من قبل إخوته والكذب والسرقة والإحساس المرهف لدى الطفل حيث تكون حساسية الطفل ناتجة عن ضعف الثقة بالنفس والشعور بالنقص وعدم تقدير الطفل أو الثناء على إنجازاته من قبل الأسرة.

إضافة إلى التشتت وعدم الانتباه وتأخر النمو والتبول اللاإرادى وسلس الغائط وعدم استمساك البراز ومص الإصبع وقضم الأظافر ومشكلات اضطراب النوم والبكاء الكثير دون سبب واضح وتمارض الطفل عند الذهاب إلى المدرسة والشذوذ الجنسي لدى الأطفال والمراهقين وفرط الحركة.

أسباب المرض
من الأسباب التي قد تصيب الطفل بالأمراض النفسية هي المعاملة القاسية للطفل والعقاب الجسدي والإهانة والتأنيب والتوبيخ والتي تؤدي إلى توقف نمو ثقته بنفسه فيملؤه الخوف والتردد ويصبح عرضة للمعاناة النفسية والخلافات العائلية التي تجبره على أن يأخذ جانبًا إما في صف الأم أو الأب مما يدخله في صراع نفسي، إلى جانب التدليل والاهتمام بالطفل الجديد، فمجيء وليد جديد يعتبر صدمة قوية قد ينهار بسببها كثير من الأطفال، فالطفل يغضب إلى حد الحزن حين يرى طفلًا آخر قد حظي بما كان يحظى به ويمتلك أشياء لا يمتلكها أحد سواه.

والتوجيهات والأوامر المتناقضة من الأب والأم مما يضع الطفل في حيرة شديدة وعجز ويعرضه لمعاناة نفسية كبيرة تؤهله للأمراض النفسية فيما بعد وإحساس الطفل بالكراهية بين الأب والأم سواء كانت معلنة أو خفية، كذلك الطلاق بين الوالدين حيث وجد أن نسبة 60% من المطلقين في الولايات المتحدة لديهم أطفال تحت سن 5 سنوات يعانون من الاضطرابات النفسية.

الأب في قفص الاتهام
تأتي الأسباب التي مصدرها الأب لتلعب دورًا أيضًا في اضطرابات الطفل النفسية، كالأب المسيطر الذي يمحو تمامًا شخصية الأم ويلغي دورها وأهميتها حيث تتأثر نفسية الطفل كثيرًا، حينما يرى أباه وهو يشتم أمه ويضربها أمامه، والأب السكير الذي يعود آخر الليل مخمورًا ويزعج أفراد الأسرة يؤثر كثيرًا على رمز الأب لدى الطفل، كذلك عندما يكتشف أن أباه يكذب أو أن أباه رجل غير شريف عندها يفقد احترامه لأبيه ويبدأ في المعاناة التي قد لاتظهر إلا عندما يكبر وانشغال الأب الزائد بعمله وعدم تخصيص وقت كاف للجلوس مع أطفاله والاهتمام بهم، يجعل الطفل يفتقده كمثل أعلى وكمعلم ومرب وقدوة.

أسباب خاصة بالطفل
هذه الأسباب يخلقها الوالدان وتؤثر على الطفل إلا أن هناك أسبابًا تكون موجودة عند الطفل نفسه قد تكون سببًا في مشكلاته النفسية كتواضع قدراته الذكائية مقارنة بزملائه في الفصل، مما يجعله يشعر بالنقص والخجل وخاصة إذا تعرض إلى ضغط زائد من مدرسته، ووجود عاهة عند الطفل يعرضه لسخرية بقية الأطفال، كشلل الأطفال أو ضعف السمع أو ضعف أو تشويه في جسده.

العناد
العناد هو عصيان الطفل للأوامر وعدم استجابته لمطالب الكبار في الوقت الذي ينبغي أن يعمل فيه، والعناد من اضطرابات السلوك الشائعة، وقد يحدث لفترة وجيزة أومرحلة عابرة أو يكون نمطا متواصلا أو صفة ثابتة في سلوك وشخصية الطفل.
ومن أسباب مشكلة العناد لدى الطفل هو إصرار الوالدين على تنفيذ أوامرهما غير المتناسبة مع الواقع كطلب الأم من الطفل أن يرتدي الملابس الثقيلة مع أن الجو دافئ مما يدفع الطفل للعناد كردة فعل، وذلك كرغبة الطفل في تأكيد ذاته واستقلاليته عن الأسرة خاصة إذا كانت الأسرة لا تنمي ذلك الدافع في نفسه، ويلجأ الطفل للعناد عندما يتدخل الوالدان في كل صغيرة وكبيرة في حياته ويقيدانه بالأوامر التي تكون احيانًا غير ضرورية فلا يجد الطفل مهرب سوى بالعناد، وتلبية رغبات الطفل ومطالبه نتيجة لعناده ولرغبة الوالدين في إسكاته بأى طريقة تدعم هذا السلوك لديه فيتخذ هذا السلوك لتحقيق أغراضه ورغباته.

طرق علاج العناد لدى الأطفال
ومن أهم طرق علاج مشكلة العناد لدى الأطفال هي تجنب الإكثار من الأوامر على الطفل وإرغامه على الإطاعة غصبًا عنه حيث إن هناك بعض الأمور البسيطة التي يمكن غض الطرف عنها مادام أنه لايسبب ضررا للطفل، كما يجب مخاطبة الطفل بدفء وحنان عبر: استخدام عبارات مثل "ياحبيبي أو ياطفلي العزيز".

والحرص على جذب انتباه الطفل قبل إعطائه الأوامر وتجنب ضربه لأنه بذلك تزيد درجة عناد الطفل، كما يجب مناقشة الطفل ومخاطبته وكأنه إنسان كبير وشرح النتائج السلبية التي سيتعرض لها نتيجة لأفعاله، وإذا اشتد عناده فيجب اللجوء إلى العاطفة قليلًا، وإذا لم يجد معه العقل ولا العاطفة نفعًا فيجب حرمان الطفل من شيء محبب إليه كالحلوى أو الهدايا وهذا الحرمان يجب أن يكون فورًا أي بعد سلوك الطفل للعناد.

الغيرة
الغيرة هي حالة انفعالية مركبة من حب التملك وشعور الغضب بسبب وجود عائق مصحوبة بتغيرات فسيولوجية داخلية وخارجية، يشعر بها الطفل عادة عند فقدان الامتيازات التي كان يحصل عليها أوعند ظهور مولود جديد في الأسرة أوعند نجاح طفل آخر في المدرسة في حين كان حظه الفشل والإخفاق.

ومن أسباب مشكلة الغيرة لدى الطفل هي شعور الطفل بالنقص ومروره بمواقف محبطة أو فشله المتكرر، ويزداد هذا الشعور ويثبت نتيجة سوء معاملة الوالدين وقسوتهم معه والسخرية من ذلك الفشل وأنانية الطفل التي تجعله راغبًا في حيازة أكبر قدر من عناية الوالدين وقدوم طفل جديد للأسرة والمفاضلة بين الأبناء.

ويجب حل مشكلة الغيرة لدى الأطفال من خلال زرع الثقة بالنفس داخل الطفل وتشجيعه على النجاح وتجنب مقارنة الطفل بأصدقائه وإخوته وإظهار نواحى ضعفه وعجزه، مما يجب أن يتعلم الطفل أنها هناك فروقًا فردية بين الناس وإشعار الطفل بأنه مقبول وسط أسرته وإدماج الطفل في جماعات وفرق رياضية.

السرقة
من السلوكيات التي يكتسبها الطفل من بيئته ويكتسبها عن طريق التعلم وتبدأ السرقة كاضطراب سلوكي واضح في الفترة العمرية 4-8 سنوات وقد يتطور ليصبح جنوحا في عمر 10- 15سنة وقد يستمر الحال حتى المراهقة المتأخرة.

أسباب هذه المشكلة هي الأساليب التربوية الخاطئة في التعامل مع الطفل كاستخدام القسوة والعقاب الشديد أو التدليل الزائد، إذا رافق ذلك عدم تعويد الطفل على التفرقة بين ممتلكاته وخصوصيات الآخرين، كذلك القدوة غير الحسنة لها دور فعال في ممارسة الطفل لهذا السلوك، كما أن للبيئة الخارجية التي تحيط بالطفل عاملا كبيرا في تعلمه تلك السلوكيات السيئة، فوجود الطفل وسط جماعة تمارس السرقة تجعله ينصاع لأوامرها حتى يحصل على مكانته فيها، وعرض وسائل الإعلام لأفلام ومغامرات تمارس هذا السلوك وإظهار السارق بالبطل القوى وهذا يعطي للطفل نماذج يحتذي حذوها.

أما بالنسبة للعوامل الداخلية في الطفل التي تدفعه للسرقة فأبرزها شعوره بالنقص أمام أصدقائه إذا كانت حالة الأسرة الاقتصادية سيئة فيسرق لشراء ما يستطيع أن يتفاخربه بينهم، أو كردة فعل عدوانية من الطفل ورغبة في الانتقام والتمرد على السلطة أو لغيرته ممن حوله.
ويجب حل تلك المشكلة عن طريق توفير ما يلزم الطفل من مأكل وملبس ومصروف ونحوه في حدود المقدرة، وتوجيه الطفل أخلاقيًا ودينيًا وتوضيح حجم تلك المعصية عند الله، كما يجب علينا أن نحترم ممتلكات الطفل وأن نعطيه خصوصيته، كما يجب ألا نؤنبه أو نشهر به على سلوك السرقة أمام الغير حتى لا يلجأ للتكرار، كما يجب على الوالدين قص بعض القصص التي توضح ما آل إليه السارقين لكى يتعظ من تلك التجارب، كما يجب تشجيع الطفل على الحوار وإظهار ما يكبته في الباطن.

الكذب
أسباب مشكلة الكذب لدى الطفل هي افتقار الطفل لوجود القدوة الحسنة في بيئته التي يعيش فيها فمشاهدة الصغير للكبار عندما يمارسون أسلوب الكذب في حياتهم اليومية له أكبر الأثر في حذو الطفل لهذا السلوك، فمثلا عندما يتصل شخص بالهاتف ويطلب الأب فيبادر الأب بقوله للصغير:

إنه غيرموجود.. فذلك يولد شرارة الكذب عند الأطفال ومن ذلك المنطلق بدأت فكرة الكذبة البيضاء.
كما أن انفصال الوالدين ومكوث الطفل مع الزوجة الجديدة فيتخذ الكذب كوسيلة، والقسوة في التعامل مع الطفل عندما يعمل خطأ فيلجأ الطفل للكذب ليحمي نفسه من العقاب، والتفرقة في المعاملة بين الأبناء مما يدفع الطفل للكذب على أخيه لغيرته الشديدة منه وحبًا للانتقام.
ومن الممكن علاج مشكلة الكذب عند الأطفال عن طريق أن يكون الأب قدوة حسنة للطفل وتنشئة الطفل على المصارحة وألا يخاف مهما أخطأ، فالطفل يلجأ إلى الكذب خوفًا من العقاب، كما يجب زرع المفاهيم الأخلاقية والدينية لدى الطفل منذ الصغر، والمناقشة مع الطفل في الأسباب التي دفعته للكذب.

الإحساس المرهف
يجب التعامل مع الأطفال ذوي الإحساس المرهف بحرص شديد كما يجب معرفة أن هؤلاء يجدون متعة كبيرة عند مساعدة الأشخاص المحيطين بهم في التغلب على مشكلاتهم التي تصادفهم وتقدير المجهود والأعمال التي يقومون بها، وحساسية الطفل تكون ناتجة عن ضغف الثقة بالنفس والشعور بالنقص وعدم تقدير الطفل أو الثناء على إنجازاته من قبل الأسرة.
وتؤكد العديد من الدراسات والأبحاث العلمية أن الأطفال ذوي الشعور والإحساس المرهف يحتاجون احترامًا وتقديرًا للمشكلات التي تواجههم حتى ولو كانت بسيطة وغير ذات قيمة بالنسبة للأشخاص الأكبر منهم عمرًا حتى لا يصابوا بالتوترات العصبية والضغوط النفسية، كما يحتاج أولئك الأطفال إلى من يستمع لهم.

التبول اللا إرادى وسلس الغائط لدى الأطفال
يعتبر التبول اللا إرادي من أكثر الاضطرابات شيوعًا في مرحلة الطفولة، ولايعد تبول الطفل لا إراديا حتى سن الخامسة مشكلة ولا يعد تبليل الطفل لفراشه وملابسه مرات قليلة مشكلة ما لم يتكرر العرض.

الأسباب الاجتماعية والتربوية التي تدفع الطفل للتبول اللا إرادى هي تقصير الأبوين وعجزهم في تكوين عادة ضبط البول لدى الطفل وعدم مبالاة الوالدين بمراقبة الطفل ومحاولة إيقاظه ليلًا في الأوقات المناسبة لقضاء حاجته وإرشاده للذهاب إلى الحمام قبل النوم، كما أن الاهتمام المبالغ فيه في التدريب على عملية الإخراج والتبول والنظافة واتباع أسلوب القسوة والضرب والحرمان كي يتعلم الطفل التحكم في بوله، وتدليل الطفل أو حمايته والتسامح معه عندما يتبول وهذا يعزز لدى الطفل هذا السلوك ويعتقد أنه على صواب، والتفكك الأسري وفقدان الطفل الشعور بالأمن كترك أحد الوالدين للمنزل أو الطلاق وكثرة الشجار من الوالدين أمام الأبناء أو وفاة شخص عزيز على الأسرة وعلى الطفل خاصة.

الأسباب النفسية:
وتشمل خوف الطفل من الظلام أو بعض الحيوانات أو الأفلام والصور المرعبة أو من كثرة الشجار داخل المنزل والخوف من فقدان الرعاية والاهتمام نتيجة قدوم مولود جديد، وشعور الطفل بالحرمان العاطفي من جانب الأم، والإفراط في رعاية الطفل وحمايته تنمي عدم ثقته في الاعتماد على نفسه.

ويمكن علاج تلك المشكلة عن طريق إراحة الطفل نفسيًا وبدنيًا بإعطائه فرصا كافية للنوم حتى يهدأ جهازه العصبي ويخف توتره النفسي الذي قد يسبب له الإفراط في التبول، والتحقق من سلامة الطفل عضويًا وفحص جهازه البولي والتناسلي وجهاز الإخراج وإجراء التحاليل للبول والبراز والدم والفحص بالأشعة والفحص عند طببيب الأنف والأذن والحنجرة، ومنع الطفل من السوائل قبل النوم، ونصح الطفل بالتبول قبل النوم وإيقاظه بعد عدة ساعات ليتبول، وتشجيعه عندما نجد فراشه نظيفًا، وتجنب مقارنته بإخوته الذين يتحكمون في البول وعدم استخدام التهديد والابتعاد عن السخرية منه والتشهير به أمام الآخرين.
واستخدام العلاج الطبيعي بإعطاء الطفل ملعقة صغيرة من العسل قبل النوم مباشرة فهو مفيد لأنه يساعد على امتصاص الماء في الجسم والاحتفاظ به طيلة مدة النوم كما أن العسل مسكن للجهاز العصبي عند الأطفال ومريح أيضا للكلى.

المراجع
‭- ‬كتاب‭:‬الطفولة‭ ‬مشكلات‭ ‬وحلول‭ ‬اأسماء‭ ‬بنت‭ ‬أحمد‭ ‬البحيصىب
- ‬كتاب‭ ‬االطفل‭ ‬وعالمه‭ ‬النفسىب‭ ‬لمحمد‭ ‬النابلس
‭- ‬كتاب‭ ‬االمشكلات‭ ‬النفسية‭ ‬للأطفالب‭ ‬لنبيلة‭ ‬عباس
الجريدة الرسمية